بصيص من "الأملة"
هذا الجيل لا يعرف من هي املة نايف بصيص !!
هذا الجيل لا يعرف الرائدة .. الممرضة الأولى ابنة دالية الكرمل !!
انا اعرفها منذ كنت طفلا ، تزوجت لتكون جارتنا ،سكنت في البيت المقابل لبيتنا من الشق الأخر للشارع.
كنّا صغارا .. وكانت هي في العشرينات من عمرها .
نذهب نحن الصغار الى مقاعد الدراسة صباحا ونرجع الى اللهو واللعب ظهرا في الشوارع والساحات والأراضي المجاورة لبيوتنا ، وتذهب هي مشيا على الأقدام ، مثلها مثل كل الناس انذاك ، الى محطة لسيارات او الباص لتسافر الى حيفا وتعود في ساعات بعد الظهر الى بيتها.
لم يكن مألوفا أن تسافر النساء الى حيفا أو الى اي مكان في تلك الأيام ، ولكن أمله سافرت ، سافرت الى عملها ، الى عملها الذي لم يقم به في تللك الايام امرأة وحتى رجل واحد من دالية الكرمل .
أذكر انني كنت أراها في الصباح عادة ، مزينة بلباس الملائكة الأبيض ، تلبسه من اسفل قدميها الى أعلى رأسها ، حتى حقيبتها التي كانت تحملها بيدها كان لونها ابيضا والشريط الذي ضم وحفظ على نظام شعرها كان ابيضا .
كانت تشدني اناقة هذه المرأة وتلفت انتباهي .. اكتشفت فيما بعد أني لم أكن وحيدا فهي شدت كل الأنظار اليها وأشغلت فكر الناس .. وفيما بعد ، للأسف ، ألسنتهم .
انذاك ، كل النساء كنّ ربات بيوت ، كثيرات منهن ذهبن للعمل الى جانب الرجال في الحقول والأراضي ، وقلة الى معامل النسيج ،املة بصيص هي المرأة الوحيدة التي كانت تختلف .. قررت أن تكون ممرضة ، ذهبت ودرست وتعلمت ونالت شهادة التمريض وراحت لتعمل في مستشفى رمبام كممرضة في قسم الولادة ، فيما بعد اختيرت لتكون الممرضة المسؤولة في القسم .. نعم اتحدث معكم واليكم عن امراة ، اسمها أملة نايف بصيص من دالية الكرمل ، استطاعت ان تكون، ليس فقط ممرضة انما ايضا، ممرضة مسؤولة عن كل القسم للولادة في رمبام وكل هذا سنة 1964. حينها كان غالبية الرجال منّا عمالا في نيشر وشغيلة حفريات في النقب وعتّالين في المينا وأكبرهم كان معلما في مدرسة ابتدائية .
أملة لم تكن ممرضة فحسب ، كانت قبل كل شيء انسانة مثقفة تحمل رسالة فكر وتوعية .. أذكرها واقفة معنا في الحارة تحاول اقناعنا بضرورة المحافظة على الصحة والألتزام بالنظافة وتوصينا ان ندرس ونجتهد ، أذكرها ايضا تمسك كتابا تقرأ فيه أو تعتني بالورد الذي اصطف في قوارير عند مدخل بيتها الصغير والأنيق والمرتب .. اذكرها ايضا تجمع الصبايا والنساء وترشدهن في امورهن النسائية الخاصة .
كنّا نراها ونلتقي بها نحن الأولاد في بيت جيرانينا حيث سكنت مع زوجها وفيما بعد مع اولادها الصغار .. اعترف اننا كنا والناس نراها عنصرا أخر .. عنصرا يختلف !!!
لم يدم بروز وتميز أملة كثيرا .. كان هنالك من فكر انها زرعا غريبا في ديارنا وحقولنا ، كان هنالك من خاف من هذه الصبية الرائدة ولكي يخفي خوفه وضعفه نعتها بالخروج عن المتفق والمألوف ووصفها بانها تعكر صفاء القبيلة .
كن هناك من لم يرق له أن أملة تسافر كل صباح الى حيفا .. كلهم كانوا يعرفون انها تسافر الى عملها لتعمل في اشرف المهن التي اوجدها هذا الوجود .. تعمل بنجاح وتفوق لتصبح مسؤولة في قسم كبير ومهم .. ولكن الشوفينية والرجولة الفارغة والمحافظة المزيّفة جعلت منهم اعداءً لها وحاربوهاحتى انكسرت !!! حاربوها ولاحقوها حتى استسلمت !!! حاربوها حتى خافت وقبلت بما يرتضونه الأسياد ومعهم نعاجهم .
تركت أملة بصيص عملها والتزمت البيت .. طُلقت من زوجها .. مرضت .. أُدخلت الى مؤسسة للعجزة فيما بعد ...... وماتت هناك . هذه هي قصة أملة الرائدة ، الممرضة الأولى .. قصة طويلة طويلة هي قصتها .. ارويها لكم هنا بأختصار
والأن .... لكي نخلد اسم هذه المرأة ، لكي يتعلم من قصتها أجيال اليوم والمستقبل ، أدعو ثلاثة لعمل الاتي :
اولا ادعو رئيس المجلس المحلي رفيق حلبي الى العمل حالا على تسمية عيادة الام والطفل في دالية الكرمل على اسم المرحومة الممرضة الاولى الرائدة أملة نايف بصيص .
ثانيا أدعو المخرج السينمائي ابن دالية الكرمل عدي عدوان لعمل فيلم يحكي قصة املة بصيص مع كل ما فيها من تحد وألم وعبرة .. قصة أملة بصيص التي لو أُعطيت الفرصة كما كان مفروض أن تُعطى لها لكانت قدوة اقتدت بها فتياتنا بل وفتياننا منذ ذلك الحين ولكان وضعنا أفضل بكثير
أدعو مجموعة النساء المثقفات الواعيات الى عمل ندوة عامة تخلد ذكر وسيرة هذه المراة لتكون عبرة ورسالة
رحمة الله عليك يا ام يوسف
والعذر منك على الظلم والأساءة .