إذا كانت الملاكمة قد صنعت من محمد علي نجما رياضيا، فموقفه ضد حرب فيتنام صنعت منه بطلا قوميا وأيقونة ألهمت ملايين الأميركيين الرافضين خوض حرب غير أخلاقية من وجهة نظرهم.
فهذه المرة لم يقف محمد علي في الحلبة متأهبا بقبضته الحديدية لإيقاع خصمة بالضربة القاضية، بل تسلح بموقف أدبي أمام المؤسسة العسكرية لأعظم دولة في العالم، رافضا الالتحاق بصفوف الجيش للقتال في فيتنام، وهي الحرب الأكثر بغضا من جانب الأميركيين.
ففي عام 1964، رسب محمد علي في الاختبارات المؤهلة للالتحاق بالجيش بسبب عدم تمكنه في مهارات الكتابة واللغة. وبعدهما بعامين، فوجئ بطل العالم في الملاكمة أنه تم قبوله في الجيش بناء على مراجعة للاختبارات صنفته على أنه لائق للالتحاق به.
لكن علي لم يكن سعيدا بهذا القرار الذي جاء بعد عام من انخراط الولايات المتحدة بقوات عسكرية صريحة على الأرض في حرب فيتنام، فأعلن عدم الالتحاق بالجيش والمشاركة في هذه الحرب.
ودخل علي في قتال من نوع آخر مع مؤيدي الحرب والذين هاجموا موقفه، متسلحا برفض ملايين الأميركيين لهذه الحرب غير الشعبية وغير المبررة من وجهة نظرهم.
مواقف مشرفة
وقال محمد علي أمام وسائل الإعلام كلمته الشهيرة: "ضميري لن يسمح لي أن أطلق النار على أخ لي، أو أناس أكثر سمرة، أو بعض الفقراء الجوعى في الوحل من أجل أميركا القوية الكبرى".
وتساءل: "ثم لأي هدف سأطق النار عليهم؟".. فهم لم ينعتوني أبدا بالزنجي ولم يقوموا بسحلي، أو يطلقوا كلابهم علي، ولم يجردونني من جنسيتي، أو يغتصبوا أو يقتلوا أمي أو أبي.. فلماذا أطلق النار على هؤلاء المساكين؟. فلتأخذونني إلى السجن إذا".
ولم يكتف علي بموقفه هذا، بل قاد العديد من المظاهرات الرافضة للحرب، وعرض موقفه على شاشات التليفزيون مستأجرا ساعات من البث ليحشد الرأي العام ضد الحرب.
واتخذ محمد علي ذلك الموقف وهو مدرك للثمن الذي سيدفعه، فقد تم تجريده من اللقب العالمي وتقديمه للمحاكمة بتهمة رفض التجنيد وصدر حكم ضده بالسجن لمدة 5 سنوات وغرامة 10 آلاف دولار، لكنه استأنف الحكم، فتم إيقافه عام 1967 عن اللعب لمدة ثلاثة سنوات، قبل أن يعود إلى الحلبة مرة أخرى في أكتوبر عام 1970، بناء على طعن تقدم به.
وعاد محمد إلى الحلبة، قبل أن يعود الجيش الأميركي عام 1973 من فيتنام متجرعا مرارة الهزيمة من الحرب التي انتهت تماما بانتصار سياسي لشمال فيتنام عام 1975 وبكابوس مذل لأميركا.