التعليم الجامعي عند الدروز - معلومات، افكار وآراء بقلم عضو الكنيست د. أكرم حسون
تشهد الطائفة الدرزية في إسرائيل في السنوات الأخيرة، قفزة هائلة من التعليم الجامعي، لدى الفتيات الدرزيات. ففي حين كان في أوائل السبعينات، طالبة واحدة أو أكثر في الجامعة، وكانت نسبة تلك الطالبات حوالي 1% نجد اليوم أن نسبة الفتيات الدرزيات من بين الجامعيين الدروز، تصل إلى حوالي 75% وهذا إنجاز كبير للطائفة الدرزية، حيث استطاعت الفتاة الدرزية، أن تتقدم من صفر إلى نسبة عالية. لكن العدد الإجمالي للفتيات الدرزيات، يمكن أن يكون أكبر بكثير من ذلك. حيث أن الجامعات والكليات الجامعية، أصبحت قريبة من القرى الدرزية، ولا يوجد أي عناء أو مشقة للوصول إليها. وبإمكان كل فتاة درزية ترغب في التعليم، أن تحقق حلمها هذا، وأن تعمل على دفع عجلة التعليم الجامعي في الوسط الدرزي، ومحاولة وصوله إلى المستوى العام في الدولة. وفي حين نرى تقدما لدى الفتاة الدرزية في الوصول إلى الجامعات، نرى تراجعا ملحوظا لدى الشباب الدروز في الوصول إلى هذا الهدف. والأرقام الجامدة تبرهن ذلك، والأسباب يمكن أن تكون كثيرة، ويجب إجراء بحث عميق ومستفيض عن العوامل التي أدّت إلى هذا التأخر في التحاق العدد المناسب من الشباب الدروز بالجامعات. وقد أصبح التعليم الجامعي اليوم، أمرا ضروريا ملحًّا في حياة كل إنسان. فقد ارتفع مستوى المجتمع ككل وبدأت المؤسسات تستعمل التقنيات الجديدة، وأصبح على كل موظف أو إنسان فعّال في المجتمع، أن يكون ملمًّا بالتطورات والاختراعات والآليات الجديدة. وهذا الوضع يعيدنا إلى الوراء وإلى التاريخ، لنجد أن الطائفة الدرزية كان لها دور رائد في التعليم الجامعي على مرّ العصور، وأن التراجع هو أمر غير واضح، ويجب البحث والتحقيق فيه، لكي نستطيع أن نتجنّبه. فالتفكير الأكاديمي رافق الدعوة الدرزية قبل نشوئها بقرون، والمجتمع الدرزي يحترم ويقدس رواد الفلسفة والعلم الإغريقيين، ويعتبرهم المثل الأعلى، وعلماء أسدوا خدمة كبيرة للإنسانية، ويضعهم في مكان القداسة. وقد تربّت أجيال من المواطنين الدروز، على ذكر الفلاسفة: أفلاطون، سقراط وأرسطو وزملائهم وكانوا خلال مئات السنين مصدر إعجاب وتقدير. ويُعرف عن أكبر الدعاة الدروز، حمزة ابن علي (ع) أنه تخرّج من جامعة جانديسابور، وأنه شجّع في زمن الحاكم بأمر الله التعليم الجامعي والحياة الأكاديمية، حيث برزت في تلك الفترة المظلمة من تاريخ العالم في أوروبا في القرون الوسطى، دار الحكمة، كمكتبة ومؤسسة جامعية ليس لها مثيل في عصرها. وظلت دار الحكمة في عهد الحاكم بأمر الله مهدا لدروس وبحوث ومنشورات ومناقشات ودراسات على مستوى رفيع في كافة العلوم. وبالرغم من أن الخلفاء الفاطميين الذين جاءوا بعد الحاكم والذين تنكّروا للدعوة قد قاموا بإهمال دار الحكمة وإغلاقها، إلا أن نتائجها ونشاطاتها في حينه ظلت مصدر وحي وتقليد للآخرين، وظلت فخرا وعزة للموحدين الدروز. وعندما قام فخر الدين المعني الثاني بإصلاحاته الكثيرة، شجّع التعليم والأدب والفكر والبحث. وفي منتصف القرن التاسع عشر، أسس الأمير محمد أرسلان في لبنان، الجمعية العلمية. وعندما أقيمت مؤسسات جامعية في لبنان في أواخر القرن التاسع عشر، التحق بها عشرات من الشباب الدروز، وتخرجوا كأطباء ومهندسين ومحاميين واختصاصيين في علوم مختلفة. والتحق عدد كبير من أبناء الزعماء الدروز من الطلاب المتفوقين بالمؤسسات الجامعية في الأستانة في عهد الدولة العثمانية وتخرجوا منها. وقد انتشر عدد من الأطباء الدروز في السودان ومصر والعراق وأماكن أخرى، يقومون بواجبات إنسانية هامة في هذه المجتمعات. واستطاع عدد كبير من الشباب الدروز في لبنان أن يتخرجوا من المعاهد الأكاديمية، وأن يعملوا في أرجاء العالم العربي. وبعد فترة التحق بهذا الركب عدد من الجامعيات الدرزيات، اللاتي استطعن أن يثبتن وجودهن في المجتمع العربي العام. وتفهم دروز لبنان أجواء العصر، ولحقوا بالركب، وأرسلوا أولادهم إلى الجامعات المختلفة في العالم العربي، وكذلك في أوروبا. وبرز عدد لا بأس به من الجامعيين في المواضيع المختلفة وخاصة في الطب والحقوق واحتلوا مراكز هامة ووظائف بارزة، أو عملوا كمستقلين ونالوا شهرة واسعة، لكن عددهم كان نسبيا قليلا، وكان بالإمكان أن يكون عدد الجامعيين الدروز في لبنان في النصف الأول من القرن العشرين اكبر بكثير مما كان عليه. وفي بلادنا قطع أبناء الطائفة الدرزية شوطا كبيرا وتقدما ملموسا في نطاق الدراسة الجامعية في الخمسين سنة الأخيرة. ففي حين كان في الطائفة الدرزية طالب جامعي واحد في زمن الانتداب، وكان في الخمسينات من القرن العشرين عدد قليل، أخذ العدد بازدياد ليصل مجموع الطلاب والخريجين اليوم إلى الآلاف من الطلاب والطالبات. وكانت في السابق ظروف وأوضاع لا تشجع خروج الشباب إلى الجامعات واحتكاكهم بالعالم الخارجي. فقد كانت التربية تقليدية تراثية ضاغطة، وكان رب كل أسرة يشدد ويركز على ابتعاد أبنائه عن كل ما هو غريب وشاذ. وكان غالبية السكان يشتغلون بالزراعة وتربية المواشي وبعض المهن، وكانت كل أماكن عملهم تتواجد بداخل القرية، ولم يكن لهم أي سبب للخروج إلا للذين استدعوا للخدمة العسكرية. وكان هناك خوف عند الأهالي أن الابن أو الابنة إذا خرجوا من نطاق القرية، قد ينصهروا في المجتمع الجديد ويبتعدوا عن تقاليدهم وعاداتهم. وفي الخمسينات خرج عدد من الشباب للخدمة العسكرية، وخرج آخرون للعمل، وعادوا ولم يحدث لهم شيء. لذلك تشجع بعض الأهالي وأرسلوا أبناءهم إلى الجامعات، وأخذت هذه الحركة تزداد وتكبر مع الوقت. وكان من أسباب تخلف الدروز في السابق من الناحية الجامعية، قلة الوعي لهذه الأمور، وعدم إطلاع الأهالي والمسئولين في ذلك الوقت على عالم الثقافة والتعليم. أضف إلى ذلك عدم توفر الإمكانيات الاقتصادية والأوامر المشددة التي أصدرها مشايخ الدين لمنع خروج البنات للتعليم خارج نطاق القرية. ومع مرور الوقت ازداد الوعي وأخذ أوائل الخريجين من الجامعات يعودون إلى القرى، ويندمجون في حياتها، ويصبحون جزءً منها، حتى لو اشتغلوا لمعيشتهم خارج القرية. فكل فرد منهم يحصل على وظيفة في تل أبيب أو في النقب أو في أماكن أخرى، يظل مصرا أن يقيم له بيتا في القرية، يعود إليه مع أبناء عائلته في أواخر الأسبوع ليعيش مع أولاده في أجواء معروفية درزية واضحة. وقد بذل عدد من المسئولين الدروز في الثلاثين سنة الأخيرة جهودا لدفع عجلة التعليم الجامعي عند الدروز إلى الأمام فقد سعى عضو الكنيست أمل نصر الدين إلى تثبيت جامعة صفد التي خرجت عددا من الجامعيين الدروز وساعد في فتح كلية غوردون في حيفا لتعليم الفتيات الدرزيات وأسس مؤخرا الكلية قبل العسكرية في دالية الكرمل كنواة لمؤسسة جامعية فيما بعد، وقام د. سلمان فلاح مدير المعارف الدرزية ونائب المدير العام بتنشيط الحركة الجامعية ودعمها وتقديم منح للطلاب، وهكذا فعل خلفه الأستاذ صالح الشيخ وخلفه اليوم الشيخ مهنا فارس.وقد أقام د. أكرم حسون فرعا لجامعة هامبرسايد في دالية الكرمل وتخرج منها عدد كبير من الدروز وبنى بعد ذلك كلية الكرمل، وفي حيفا حول د. نجيب نبواني دار المعلمين العرب إلى جامعة وتسلم رئاسة مجلس إدارتها فيما بعد المحامي زكي كمال الذي قام بتطويرها وتقدمها حيث يقوم بإدارتها اليوم البروفيسور سلمان عليان ويحاضر فيها عدد من الأكاديميين الدروز من الجنسين وفيها كذلك عدد كبير من الطلاب. وفي السنوات الأخيرة قام فضيلة الشيخ موفق طريف بدعم التعليم العالي عن طريق المنح والهبات وقد توصل لاتفاق مع كلية "كنيرت" الأكاديمية بتعليم عدد غير محدود من الطلاب الدروز في الكلية بدون دفع أقساط التعليم، كما توصل إلى اتفاق مع سلطات الجيش على تأجيل الخدمة العسكرية لمن يريد الدراسة الجامعية، ولا ننسى هنا الدور الذي تقوم به سلطات الجيش في نطاق برنامج "عتيديم" كما نشير إلى المؤسسات والجمعيات التي تقدم باستمرار منحا للطلاب وهي: دائرة التعليم الدرزي في وزارة المعارف،المجلس الديني الدرزي،المجالس المحلية،الجمعية على اسم المرحوم صالح فلاح،الحركة الدرزية الصهيونية،صندوق بني معروف،جمعية عميريم، حركة الشبيبة الدرزية وغيرها (نرجو المعذرة إذا نسينا أحدا - فليذكرنا مشكورا). وفي الآونة الأخيرة نلاحظ أن جمهورا كبيرا من الطائفة الدرزية يرتاد الجامعات ويتخرج منها، ويندمج في العمل، لكن يظل هذا العدد قليلا بالنسبة للمعدل العام أو للطوائف الأخرى، فما زلنا بحاجة لأعداد أكبر مما لدينا وخاصة في المواضيع العلمية. وقد أفادنا، مشكورا، الشيخ مهنا فارس مدير المعارف الدرزية بمعطيات تشير أن عدد الطلاب الدروز الجامعيين من الجنسين عام 2009 هو 1900 ونسبة الطالبات بينهم هي 67% درس منهم للقب الأول 1400 طالب وللثاني 190 طالبا وللثالث تسعة طلاب. وبلغ عدد الطلاب الدروز عام 2010 2000 طالبا منهم 67% طالبات تعلم للقب الأول 1700 والثاني 230 والثالث 13. وبلغ عدد الطلاب عام 2011 2200 طالبا منهم 68% طالبات كان منهم 1900 للقب الأول و250 للقب الثاني و 18 للقب الثالث. وهناك ازدياد في توجه الطلاب لمعهد الهندسة التطبيقية التخنيون. فقد تعلم عام 1967 في هذه المؤسسة طالب واحد فقط وتعلم فيها عام 1997 109 طلاب وفي عام 2005 125 طالبا وفي عام 2009 145 طالبا وفي عام 2011 170 طالبا وطالبة. ووصلتنا المعلومات والمعطيات التالية من برفيسور فؤاد فارس، عضو مجلس التعليم العالي،مشكورا،عن التعليم عند الدروز في الجامعات: بلغ عدد الطلاب الدروز عام 1990 403 طلاب منهم 326 طالبا وطالبة للقب الأول و 94 طالبا للقب الثاني وأربعة للقب الثالث. وبلغ عددهم عام 2005 : 1240 طالبا وطالبة منهم 1017 للقب الأول و211 للقب الثاني و37 للقب الثالث. وبلغ عددهم عام 2008 1290 طالبا للقب الأول و 231 طالبا للقب الثاني والثالث. كانت نسبة الطالبات عام 1995: 33% من مجموع عدد الطلاب وازدادت هذه النسبة عام 2005 وأصبحت 54% وفي السنوات الأخيرة هي في ازدياد مستمر. ونسبة عدد الطلاب الجامعيين الدروز اليوم في الجامعات هي 2% ونسبتهم في الكليات الجامعية هي 1% وهذا أمر لا بأس به فهو يعادل تقريبا نسبتهم بين السكان. نلاحظ أن عدد الطلاب الدروز في الجامعات في ازدياد وتقدم مستمر، لكن ما زال هناك مجال للتحسين ولتشجيع عدد أكبر من الشباب والشابات في الدراسة الجامعية.