" القومجيون الدروز " هكذا اختار السيد أمير خنيفس أن يعنون مقالة أراد فيها التعبير عن مدى غضبه وامتعاضه من يوم دراسيّ قامت به مجموعة من الشخصيات الاكاديميّة الدرزيّة في جامعة حيفا من خلال طرح أوراق دراسيّة موضوعها الأساسي الهويّة، بل ذهب أبعد وأخطر من ذلك على صفحته الفيسبوكيّة وكتب : " مؤتمر القومجيون الدروز في جامعة حيفا بمشاركة ممثلين عن فرع داعش في القدس!" فهل هذا جزء من الردّ النّقديّ الأكاديمي الموضوعي للدّراسات التي نوقشت بتشبيه ووصف بعض المشاركين بداعش؟ انفعاله الشّخصي جعله يسقط سهوًا بعدم التفرقة بين " مؤتمر " و " يوم دراسي ". في مقالته المشبعة بالشعارات تغليب لموقفه الخاص من المشاركين على صعيد شخصي والخالي من أي نقاش يتناول الدّراسات التي طرحت وفتح حوار تقابل الحجة بالحجة كما هو متعارف في النقاشات النقدية .
" نرى أنا ورفاقي بالطائفة الدرزية طائفة مستقلة لها مركبات ثقافية مشتركة مع الأمة العربية كاللغة والثقافة الاجتماعية، ولكنها ذات مميزات ثقافية ودينية خاصة بها، وبناء عليه لها الحق الكامل في أن تعيش في مواطنها وعلى أراضيها بشكل مستقل وحر دون أن تمس بأحد ودون أن يمس بها أحد " ، يتضح من هذا الطرح الالتباس في تحديد بعض المفاهيم العامة لدى السيد أمير خنيفس ، اذ اختلط عليه مفهوم القومية والدين. الأمّة العربية هي هوية قوميّة جامعة ترتبط باللغة والثقافة الاجتماعية والجغرافيا والتاريخ المشترك الأمر الذي يشكل قاعدة تجمع العديد من أصحاب انتماءات ومذاهب دينية مختلفة. فهل يمكن فصل أبا ذر الغفاري أو الحلاج أو سلمان الفارسي مثلا وسحب دورهم ومفصليّتهم في التاريخ العربي الإسلامي واختزالة في خصوصية درزية؟ يقول الشهيد المعلم كمال جنبلاط " القومجي " : " ومنذ ما ينوف عن القرن وهم ( أي الدروز ) يشاركون دائما وأبدًا في الدعوة إلى القومية العربية كأكثر دعاتها حماسًا، فالتحقوا بالجمعيات الأولى التي تأسست للدفاع عن العروبة والحرية السياسية. لا بل أن بعضا من هذه الجمعيات كان يقودها دروز بارزون كالأمير محمد أرسلان رئيس لجنة التحرر الشهيرة ... من كتاب هذه وصيتي ص69 ) " .
" القومجيين الدروز الذين يرون بالطائفة الدرزية حالة مشاكسة داخل الأمة العربية والعالم الإسلامي يجب العمل على إعادة صهرها بكل الإمكانيات المتاحة " ، واضح من الطرح محاولة التنكر أو التجاوز عن هذه الحقيقة التاريخية كوننا جزء من الأمة العربية والإسلامية، إذ اثبت هذا الانتماء القومي على صعيد جيني ببحث علمي أكاديمي قام به البروفيسور جمال زيدان الى جانبه طاقم بحثي رفيع المستوى يؤكد أن جينات الدروز تتطابق مع جينات الشعوب العربية في المنطقة منذ حوالي 1500 سنة، فيحاول السيد أمير خنيفس تفريغ هذا الواقع التاريخي المثبت على جميع الأصعدة والمستويات ويعتبر تأكيده كنقص في الهوية الدرزية وذلك من خلال قطع الجذور التاريخية للدروز ومحاولة إبراز تاريخ الدروز وكأنه يبتدئ من سنة 1948 مع الاحتلال الصهيوني. يتابع الشهيد المعلم كمال جنبلاط القومجي : " الامر الذي ندركه أو لا يستوعبه معظمنا أحيانا والذي تختلط فيه الأفهام هو أن الإسلام معتقد ديني وحضارة في آن واحد ... وهنالك واقع مميز آخر لا يعدو أنّه شرقيّ ساميّ في تفرعه: إنّ مؤسس النهضة العربية التي ولد منها البعث العربي السياسي والحضاري وغمر المعمور هو ذاته مؤسس الإسلام ومشيد صرحه ونعني طبعا النبي محمد ..." (من كتاب فيما يتعدى الحرف ص 35 ) .
يتابع السيد أمير خنيفس: " نقطة الاختلاف بيننا وبين القومجيين الدروز تنعكس من خلال شرحنا للماضي. هكذا على سبيل المثال لا يضيع القومجيون الدروز أية فرصة في تهميش سياسة الولاء التي اتبعتها قيادات الطائفة وحمائلها اتجاه الدولة في الفترة ما بعد قيام الدولة "، وهنا يبرز الاختلاف ليس على تفسير الماضي بل على تعاريف الماضي، الأدبيّات الصهيونية التي تناقش العلاقات بين الحركة الصهيونية والدروز تأتي على ذكر بعض الشخصيات الدرزية التي سميت قيادات ( وهذة القيادات تسمية تطلق على أبرز شخصية في العائلة التقليدية الأكثر عددًا، هذة الشخصيات لم تكن منتخبة ولم يجرى استفتاء شعبي يخولها حق التمثيل) فهل مواقف بعض الشخصيات هذه يجوز تضخيمها وتفعيلها ورفعها بمقام موقف لكل الدروز دون الاستفتاء عليه؟ الأدبيّات الصهيونية (وهي دعوة للعودة لهذة الأدبيات والأرشيفات الصهيونية ذات الأهمية لفهم هذة الحقبة من تاريخنا لغزارتها في توثيق اللقاءات وقراءتها لبعض الشخصيات) تقول مثلًا من سنة 1948 وحتى سنة 1956 تجند في جيش الدفاع الإسرائيلي فقط بعض العشرات من دروز الكرمل والجليل، وتتحدث الأدبيات الصهيونية أيضا كما ورد في تقرير كتب في 15.10.1953 على يد ב' יקותיאלי سكرتير وزير الدفاع موجه لديوان المستشار لقضايا العرب عن قيام الشيخ امين طريف بكل ما يمكن القيام به لمنع التجنيد، واقتبس النص بالكامل : "העובדה שאמין טריף לא בחל בכל אמצעי כשר ובלתי כשר לקידום מטרותיו הציבוריות פוליטיות החל מאסור השאת חיילים דרוזים בצה"ל וכלה בניסיונות להשתלטות על הקדשות של העידה".
وأيضًا من الأدبيات الصهيونية: "איסר חלמיש סגן מפקד הגדוד אל אג"םתכנון 19-10-1962 א"צ תיק 752 72/1970 : כוונת הגיוס המוני בעקרה קרוב בני העדה הדרוזית וקשירתה אלינו קלקול היחסים בין המוסלמים והדרוזים בארץ וערעור האמון לגביהם בחו"ל . התוצאה היתה שהיחידות הדרוזיות ומספר קצינים ומפקדים ששרתו ביחידות אחרות בצבא הסורי הורחקו מקו החזית והועבר לאזורים מרוחקים בסוריה"؛ الهدف من تجنيد أبناء الطائفة الدرزية وربطها بنا (أي الحركة الصهيونية) تخريب العلاقات بين المسلمين والدروز في البلاد وزعزعة الثقة بالدروز عالميًا . النتيجة كانت أنّ الوحدات الدرزية وبعض الضباط الذين خدموا في وحدات أخرى في الجيش السوري أبعدوا عن خط المواجهة لمناطق بعيدة في سوريا. فالموقف من بعض الشخصيات التي " اتبعت " الولاء تجاه الدولة التي تقابلهم بما ذكر أعلاه وبما لم يذكر أعلاه الا يستحق المسائلة والمحاسبة؟
عدد الشخصيات التي طالبت بفرض التجنيد الإجباري 9 أشخاص من أصل 13 ألف نسمة في حينه، ونسبة الذين لبوا طلبات التجنيد الإجباري 28% فقط ، وبالتوافق والتنسيق مع ال-9 أشخاص قامت الدولة باعتقال العشرات وابتزازهم عن طريق التهديد والتنكيل بأهاليهم، كما حدث مثلا مع ح.ح من بيت جن. فالقيادات التي كانت الكنيست من نصيب البعض منهم ثمن لهذة الصفقات (من كتاب גדוד בני ערב , רמי זיידאן ص 168) ألا تستحق المسائلة؟ فهل لهذا الماضي شرح آخر؟
بل يعتبر السيد أمير خنيفس أنّ هذه الاتفاقيات، كما ورد في مقاله: "في حين نرى بها قرارات صحيحة أنقذتنا من نكبة كانت لتقضي على وجودنا حيث ازداد عددنا من 13 ألفًا حين ذاك إلى ما يقارب ال 130 اليوم " . فعلى سبيل الإنقاذ : في دراسة للمركز العربي للتخطيط البديل (الدراسة مطروحة على موقع المركز)، قامت الدولة بمصادرة 209,285 دونم من أصل 325,320 دونم من أراضي الدروز أي سرقت حوالي ثلثي مساحة الأراضي التاريخية. فمثال على ذلك قريتي بيت جن، بلغت مساحة بيت جن 44725 دونمًا وما تبقى بعد المصادرة والسرقة 5080 دونمًا، من هذه المساحة المتبقية 2545 دونمًا تحت مسمى محمية طبيعية. ناهيكم عن عدم توسيع مسطحات البناء منذ أكثر من 20 عامًا . هل هذه الأرقام والحقائق ليست بنكبة؟
يتابع السيد أمير خنيفس: " نقطة الاختلاف في المبدأ بيننا وبين القومجيين الدروز تنعكس من خلال فهمنا للحاضر أيضًا. هكذا على سبيل المثال لا يتقاعس القومجيون عن تلطيخ الدائرة الدرزية في وزارة المعارف، وتجريح كل من عمل على تطبيق المنهج الدرزي وذلك حتى من خلال اليوم الدراسي الذي عقد مؤخرًا، وكل هذا طبعاً بسبب احتواء هذا المنهاج لمواد تهدف إلى تعزيز الهوية الطائفية عند الطلاب الدروز والتي طبعاً تتصادم مع أحلامهم القومية اتجاه أبناء الطائفة". من حقنا وواجبنا مناقشة منهاج التعليم الدرزي والتيقن من مضمونه من باب الحرص على مستقبل اطفالنا، ومناقشتنا للأشخاص، في دائرة المعارف الدرزية، القيّمين على المنهاج بعيد عن الشخصنة والتجريح. منهاج التعليم الدرزي هدفة ضرب الهوية الدرزية وليس تعزيزها، وفصلها عن جذورها التاريخية، بل عوضًا عن ذلك تعزيز الانعزالية وبلورة وعي "درزي–إسرائيلي" وإلى تعزيز "القواسم المشتركة" بين اليهود والدروز وتعزيز "الانتماء والولاء للدولة". والغريب في الأمر أنّ الدائرة الدرزيّة أوجدت على أثر تقديم لجنة المبادرة العربية الدرزية في آذار 1972 عريضة حملت 8000 توقيع، رفعت إلى رؤساء الدولة، طرحت فيها أربعة مطالب أساسية هي:
1- إلغاء الخدمة العسكرية.
2- عدم التدخل في الشؤون والأعياد الدينية.
3- الكف عن مصادرة الأراضي وإعادة ما صودر.
4- تقديم الهبات والمساعدات المالية الفنية اللازمة لتطوير القرى الدرزية.
الأمر الذي أقلق المؤسسة الحاكمة وعلى أثرها أقيمت دائرة المعارف الدرزية في وزارة المعارف. فمثلا كانت هنالك عملية انتقائية لاختيار النصوص الأدبية والشعرية في مناهج التعليم في موضوع اللغة العربية من أجل خدمة مشروع التدريز الهادف الى تشويه الهوية الحقيقية. كان التركيز على اختيار كتّاب وأدباء دروز أو اختيار نصوص مضمونها يشير إلى ذلك، بينما تم استثناء الأدباء والمفكرين الدروز الذي كتبوا وساهموا في إثراء القومية العربية، مثل شكيب أرسلان وكمال جنبلاط. وفي الحالات التي تمّ شمل هؤلاء جاء الاختيار من خلال نصوص ليس لها علاقة وارتباط سياسي البتة.
في عام 1975 أوضحت وزارة التعليم الأهداف المتوخاة من جهاز التعليم الدرزي حيث حُددت كالتالي: تأسيس التعليم على قيم الثقافة الدرزية العربية. إنجازات العلم الحديث وسعي إسرائيل إلى السلام مع جيرانها وحب الوطن والولاء لدولة إسرائيل. هذا إضافةً إلى تعزيز العلاقات المُميزة بين اليهود والدروز وتوسيع الإلمام بالثقافة اليهودية وبلورة الكيان الدرزي الإسرائيلي.( مراجعة نقدية لكتب تعليم الادب العربي في المادرس الدرزية ، الدكتور يسري خيزران )
ثم يتابع السيّد أمير خنيفس في ذات السياق: " في حين يتجاهل القومجيون الحقيقية بأن الطائفة الدرزية افتقدت كل معالم العلم حتى عام 1948 وأنه حتى منتصف الستينات لم ينه التعليم سوى بضعة أكاديميين من أبنائها. في حين استطاع العاملون على الدائرة الدرزية وعلى رأسهم الأستاذ سلمان فلاح والشيخ فايز عزام والمرحوم نزية خير والمرحوم الشيخ سامي فراج صناعة انقلاب في المستوى التعليمي عند أبناء الطائفة نرى ثماره في السنوات الأخيرة من خلال نتائج البجروت في جزء من مدارسنا وفي عدد الطلاب والطالبات في المعاهد العليا".
يتجاهل السيد امير خنيفس حقيقة أنّ أقل نسبة طلاب وطالبات في المعاهد العليا هي من الطلاب الدروز، ويتحدث عن نتائج البجروت والتي تشير إلى النجاح في الحصول على شهادة البجروت، وهذة النتائج لا تشير إلى مستوى علامات الناجحين، كما ويتهرب من الحديث عن نسبة الذين يُقبلون للمعاهد العليا من الذين نجحوا في الحصول على البجروت، وهذا ما يناقش عمليا وينتقد تدني نسبة الطلاب والطالبات الدروز المعاهد العليا.
يحاول السيد امير خنيفس مقارنة ومقاربة الخط الوطني مع حركة الدروز الصهاينة بحسب تفسيراته ولكن من الواضح والجلي للعيان ان فكره وطرحه هو الاقرب لطرح الدروز الصهيانة فكرا ونهجا وتاريخيا ، فمن كل ذلك يتضح أنّ السيد أمير خنيفس طغى موقفه ورأيه الشخصي الانفعالي في مقاله متجاوزًا الحقائق الموثقة والموضحة أعلاه، وتجنب الدخول في نقاش وتفاعل أكاديمي موثق ومناقشة مواد طرحت في اليوم الدراسي، وانساق في حديث شعاراتي عام . فهي دعوة للعودة إلى أرشيفات إسرائيل المفتوحة على مصراعيها لاستبيان حقائق الولاء، ودعوة للتّحول عن الخطاب الانفعالي المشخصن، والتفاعل الأكاديمي الموثّق وإقامة منابر مفتوحة لمناقشات تثري العامة.