درجت في الآونة الاخيرة عادة التهجّم والتشويه كطريقة للشهرة والسطوع ، وبما ان الاعلام ينتظر مثل هذه الفرص لتحقيق سباقات صحفية ، ولو على اشلاء ضحايا تفجيرات ، خصوصيات بشر ، وغيرها... واخيراً وصل الامر بالبعض الى محاولة تشويه تاريخ عريق لطائفة الموحدين المسلمين الدروز واطلاق اكاذيب لا تمت للحقيقة بصلة. وبما ان التربية التوحيدية تمنع المساس برجال دين وعلم ، وبما ان التاريخ معلوم وموثّق وتحريفه لن يقدّم ولن يؤخّر ، وبما ان الشرف والعفة والاخلاق والرجولة ترعرعت ونمت في احضان طائفة الموحدين ، وبما اننا لا نستطيع النزول الى درك الشتّامين المحصنين بالعمائم والالقاب ، وعملاً بالمثل اللبناني العامي القائل :"في شي بدو شهود وفي شي شهودو منو وفيه" ، لكم لمحة من تاريخ مشّرف لطائفة لطالما التزمت الصمت بوجه المغرضين ، التواقين الى الشهرة ، اللاهثين وراء صرر الدنانير ، تاريخ لن ينفع تشويهه ، فالدروز قلما يهمهم كلام ابواق التحريف او وسائل الاعلام الرخيصة.
بنو معروف قبيلة تجري في عروقها الدماء القحطانية العربية الصافية هاجرت من ارض اليمن بعد نكبة سد مأرب الى ارض الحجاز و اقاموا في يثرب ونزل البعض منهم في شمال العراق ثم ما لبثوا ان هاجروا الى بلاد الشام واستوطنوا الجبال في المنطقة لهدف عسكري محض وهو رد الاعتداءات الصليبية عن سواحل الابيض المتوسط أي الثغور في زمن الخليفة ابو جعفر المنصور.
الموحدون الدروز والمعارك...
لن نذهب لسرد تاريخي مفصل لتاريخ المعارك التي خاضها الدروز واسبابها ، لكننا سنستعرض بعض محطات من تاريخ يشهد بالرجولة والالتزام وحفظ العهد.
حوالي القرن الاول للميلاد ، حاربت القبائل التي اعتنقت مسلك التوحيد فيما بعد لوحدها امبراطورية الفرس وانتصرت عليها انتصاراً كبيراً، وابان الفتوحات قاتلت هذه القبائل الى جانب النبي وحاربوا الروم الذي كانوا متفوقين بالعدد واكثر تسلحاً ، وصمدوا صموداً تاريخياً الى ان انجدهم خالد بن الوليد بطلب من الخليفة ابي بكر ثم ما لبثت ان اشتركت هذه القبائل في احتلال قلاع بصرى و الشام و حلب و انطاكية فأمر الخليفة عمر بن الخطاب القائد ابا عبيدة بن الجراح بان يولي هذه العشيرة بلاد المعرة اعترافا بفضل جهادهم و هناك امتزجوا باقربائهم التنوخيين الاقدمين و اشتهر منهم قبيلتي تنوخ
وربيعة (القحطانية ) اللتان نبع منهما الامراء التنوخيون والمعنيون. وفي العام 1187 دخل الدروز وامراء آل تنوخ الى بيروت جنباً الى جنب مع صلاح الدين بعد معركة حطين الشهيرة.
وحوالي العام 760 ميلادي دخلت قبائل الموحدين في صراع كبير في منطقة وادي التيم و هنالك جرت بينهم و بين المردة انصار الروم معارك كثيرة انتصروا عليهم فيها وقد ساندهم فيها قبيلة بني لام العربية التي استوطنت الشوف في عهد عبد الملك بن مروان واصبحت جبال لبنان موطنا لهم حتى وصول الدعوة الفاطمية الى الشام فتقبلوها و ساروا على هداها .
وفي المعارك الداخلية التي جرت في عين دارة بين القيسيين واليمنيين عام 1710 انتصر فيها القيسيون فهاجر اليمنيون الى حوران وتجدر الاشارة الى ان الحرب كانت درزية بامتياز ومن يعرف طبيعة الفكر التوحيدي كان ليتأكد ان الدروز لن يستعينوا باي غريب لقتال اخوانهم.
وفي حوران اجبر الدروز الدولة العثمانية على منحهم امتيازات خاصة كحمل السلاح والاعفاء من الجندية ، وبعد احتلال ابراهيم باشا لاجزاء من السلطنة العثمانية عام 1837 ومحاولته النيل من مكانة عشائر الجبل ، دارت معارك عنيفة بينهم و بين جيوش الباشا الذي ارسل لقتالهم ثلاث حملات سحقها الدروز فقرر قيادة الحملة الاخيرة بنفسه وكان مصيرها كسابقاتها. وفي العام 1852 وبعد خلاف بين الدروز والدولة العثمانية حول الضرائب قاد والي دمشق محمد قبرصي باشا حملة من اثني عشر الف مقاتل الى الجبل سُحقت الحملة من قبل رجال العشيرة و انتصروا عليها في موقعة ساري عسكر و على اثرها قام القنصل البريطاني بمهمة المصالحة بين العشيرة و الدولة على ان تعاد المكاسب من البنادق الى الاتراك و اعفاء بني معروف من الجندية ، ثم ما لبثت الحملات العثمانية على الدروز ان تكررت في العام 1857 الا ان بني معروف كسروا الحملة شر كسرة. وبرز خلال الفترة نجم آل الاطرش. ثم في العام 1890 حاول العثمانيون احتلال السويداء لبناء قلعة فدارت بينهم و بين ابناء الجبل معارك استمرت حتى العام 1897 منها معركة خراب عرمان الشهيرة ومرة جديدة فاز الدروز على الدولة العثمانية.
وفي العام 1925 انتفض الجبل ومعه سوريا بوجه الاحتلال الفرنسي بقيادة سلطان باشا ولا داعي لذكر التضحيات التاريخية والدروس في العزم والرجولة التي قدمها الدروز آنذاك للعالم ، حيث قدم الموحدون حوالي الالفي شهيدا فيما سقط من باقي سوريا حوالي 1800 شهيد.
وفي العام 1936 سطر الموحدون في فلسطين بطولات تاريخية في ثورتهم مع اخوانهم الفلسطينين ضد الاستعمار البريطاني ثم اتى العام 1947 حين اعلن الدروز النفير العام نصرة لفلسطين وذهب الآلاف لمقاومة عصابات الصهاينة ، فكان سلطان باشا الاطرش من اوائل الذين نادوا بالجهاد من اجل فلسطين، وفي لبنان انتصر الدروز في كل المعارك الني خاضوها منذ العام 1860 حتى عام 1920 ثم كرروا نجاحهم في ثورة عام 1958 والحرب الاهلية الدامية عام 1975 وغزوة 2007.
هذا بعض من تاريخ جماعة لا ترتعد خوفاً من توقعات المنجمين ولا تأبه بكذب الدجالين وليست بحاجة الى شهادات في الرجولة ممن نعرفهم ونعرفهم جيداً في السلم والحرب. لم يفتش يوماً الدروز عن مجد او سلطان ، بل استوطنوا الجبال كي لا يدخلوا في احتكاكات سياسية او فكرية مع احد ، ليس خوفاً من هذا الاحد بل خوفاً عليه ، فكفوا افواهكم البلهاء واتركونا بسلام.
رائد أبو شقرا