عيسى بوعيسى -موقع التيار
حسناً فعل قادة الدروز في لبنان بالتضامن مع اخوتهم في ادلب والسويداء ولو كل من نافذته الخاصة، وهنا تكمن الاهمية بان هناك من يهتم لمصير طائفة صغيرة فتقوم الدنيا ولا تقعد مع ان مبدأ التضامن قائم مع شهداء مجزرة ادلب من كافة الاطياف ولكن ما لفت مصادر روحية مسيحية ان اكثر من مليون مسيحي في العراق وسوريا تم اقتلاعهم من ارضهم وخطفهم وذبحهم واغتصابهم. ولم يكن هذا المشهد الدموي لبشر عاشوا الاف السنين في نينوى ودير الزور ثم ترحيلهم الى غير رجعة بحيث غاب اكثر من ثلاثة ارباع الاهتمام بهم على ما يجري حاليا بحق الدروز وعمدت كافة وسائل الاعلام المحلية والدولية والاقليمية الى التضامن مع ما حصل لهم وهو في مطلق الاحوال عمل بربري نفذه تنظيم القاعدة في بلاد الشام والذي يتخذ له اسم جبهة النصرة من اجل تلميع صورته ووضعه كمكون شعبي سوري، وتقول هذه المصادر ان كل شيء مباح ومتاح لحماية كافة الاقليات سوى مدّ اليد للمسيحيين التي كانت معدومة ومرّ مشهد اقتلاعهم من ارضهم وسبي نسائهم وكأن شيئاً لم يكن باستثناء دعوة القادة الفرنسيين وبعض الجهات المدنية في باريس للمسيحيين للذهاب الى اوروبا لمساعدة المزارعين هناك وحتى الافرقاء والقادة المسيحيين المحليين لم يستنفروا كما فعل الدروز منذ ثلاثة ايام، وتوضح هذه المصادر ان هذا الفالق الكبير في مسألة الاهتمام له ما يبرره من وجهة نظر الغرب كالتالي:
1- في اكثر من مناسبة اعرب القادة الفرنسيين والاميركيين لزوارهم اللبنانيين المسيحيين ان عليهم تدبير امورهم بانفسهم وان الامور قد تغيرت بالرغم من كون لبنان يترأسه رئيس مسيحي وحيد في الشرق وحسب هذه المصادر ان الغرب غير مبال نهائيا للوجود المسيحي في الشرق وحتى في لبنان ومشهد مغادرة المسيحيين من العراق في الصحراء عراة سوى من ثياهم لم يثر الاعلام الغربي ابداً و الكثير من القيادات المحلية الاسلامية لم تستنفر قواها كما حصل في حادثة ادلب حتى ولو كانت فردية مع العلم انما اكبرمن ذلك بكثير، ولم يكتف اهل الغرب باللامبالاة بل عمدت تركيا الى ترك المشهد يتعاظم قتلا وتهجيراً على حدودها.
2- استنفرت اسرائيل على خلفيات معينة تخدم مصالحها لمد يد العون الى الدروز وكذلك فعلت بعض الدول العربية وحتى تركيا وقطر مع ان نسبة اعداد الشهداء لدى المسيحيين متعاظمة قياسا على ما جرى للدروز، وهنا لا تضع هذه المصادر مقاربة من حيث الاعداد فالجريمة تبقى جريمة حتى ولو حصلت بحق بريء واحد انما لماذا هذا التنكيل الاعلامي والسياسي بالمسيحيين وكأن الجميع يريد الخلاص منهم في هذا الشرق او باتوا يشكلون عائقاً امام مخططات الدول الكبرى جراء وجودهم في لبنان والعراق وفلسطين وسوريا، وتضيف هذه المصادر ان الخوف جراء هذا السكوت المرعب لدى الرأي العام العالمي والمحلي يطرح جملة من الاسئلة الاساسية والتي تتمحور حول التالي: هل بات يشكل المسيحيون عبئاً على شركائهم في الوطن؟ وهل المسيحيون في لبنان وشهدائهم بسمنة وغيرهم مغمساً بالزيت؟ وهل الشهيد المسيحي لا يستحق هذا القدر من الاهتمام ولو على شكل اغاثة فيما يستنفر الدروز في كل اصقاع الارض من اجل حماية انفسهم؟ هذه المصادر التي تبدي ادانتها لمجزرة ادلب تعيب على القادة المسيحيين انفسهم في عدم تقديم مسألة الوحدة والوجود على مسائل اخرى والتلهي بالخلافات الداخلية بدل الالتفات الى مسائل الوجود والتطلع الى المصير؟
3- لم تلتفت الاقمار الاصطناعية وطائرات المراقبة الاميركية المتواجدة ليل نهار الى السلسلة البشرية لمئات الاف المسيحيين هائمين وسط الصحراء فيما اهتمت ونشرت على وسائل التواصل لعنصر من داعش يقوم ليلاً بالاحتماء تحت حمار!!! انها مستمرة ما بعدها مشهد يثير القرف في نفوس الشعب المسيحي في الشرق الذي تأكد مئة بالمئة ان اميركا واسرائىل لا تريدهم في المنطقة وان سمحت بوجودهم تكون الغاية وضعهم في خدمة الآخرين كأقلية مغلوب على امرها، كل هذا والكرسي الرسولي لم يصدر عنه حتى الساعة اعمالاً تنفيذية تحمي التابعين له سوى الصلاة عن ارواح المذبوحين من قبل داعش والنصرة وهذا بدوره أمر مقلق للغاية خصوصاً اذا ما تم الافراج عن محادثات الموفد البابوي الى لبنان دومينيك مومبرتي مع القادة المسيحيين حيث جاء فارغ اليدين ويطلب حلولاً من الذين التقاهم في حين كان هؤلاء ينتظرون منه نتائج اتصالات الفاتيكان مع الدول الكبرى، وحقيقة الامر كما تقول هذه المصادر الروحية المسيحية ان احداً لا يهتم من الكبار ويتركون للقادة المسيحيين ان يتفقوا دون اعطاء اشارة وحيدة الى ان هناك من يهتم بالمسيحيين.
اصبح واضحاً لدى هذه المصادر، ان الوضع المسيحي خطير في لبنان في غياب اي معين لهم في حين ان الشيعة لهم ايران كسند قوي والسنة يتكلون على الخليج والسعودية، والدروز تفركشت الدول لمساعدتهم فيما الرأي العام المسيحي يتلهى باقامة المهرجانات السياحية وكأن وظيفتهم المستقبلية تقتصر على ادارة الملهى الكبير المراد اقامته في مناطقهم في غياب اية خطة او سند يمكن الاعتماد عليه، فهل هذا من صنع ايديهم او القضية اكبر من ذلك؟
الاجابة تتطلب تفكيك كافة المواقف المحلية والدولية ومدى تطابقها مع ارادة المسيحيين بالبقاء في ارضهم ومقدساتهم والتي لا بديل عنها سوى ضياع الطوائف المسيحية في شوارع الدول الغربية والتخلي عن عاداتهم وتقاليدهم رويداً رويداً وصولاً الى الالحاد الذي يلفح المجتمع الاوروبي بكامله وصولاً الى تطبيق المثلية في المجتمعات، اما السؤال الاكبر الذي تطرحه هذه المصادر يتمحور حول السكون الذي يسود الساحة المسيحية وكأن الامر لا يعنيهم او ان هناك تطمينات تبدو فيما بعد كاذبة حين يبدو بعدها ان لا شيء ينفع؟!