رغم أن جل استطلاعات الرأي كانت تجمع على أن إسحاق هرتسوغ سيفوز بالانتخابات الإسرائيلية، إلا أن ما حدث جاء مخالفا للتوقعات، حيث فاز بنيامين نتنياهو بفارق كبير عن منافسه، وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول كيفية تحقيق هذا الفوز.
ويرى عدد من المحللين أن مراجعة خطابات نتنياهو خلال المعركة ومقاربتها بنتائج الانتخابات تدل على أنه اتبع خطة محنكة وغير متوقعة أبدا في الأيام الأخيرة من المعركة. فقد أدرك نتنياهو أن احتمال حصوله على أصوات من وسط الخريطة الحزبية أو جمهور اليسار، أو الناخبين العرب، بات شبه مستحيل، وأن الملجأ الوحيد الذي يستطيع فيه كسب مزيد من الأصوات هو جمهور الأحزاب اليمينية المتحالفة معه. ومن هذا المنطلق أعلن بشكل مفاجئ أن هناك فرصة لينتصر اليسار على اليمين ويسقط حكومته، ويشكل حكومة يسارية تعتمد على أصوات العرب، وزيادة في التخويف أعلن عن وجود مؤامرة ممولة بعشرات ملايين الدولارات لإسقاطه، ثم أرسل الرسائل إلى عشرات ألوف الناخبين يحثهم على التصويت “لأن هناك حملة دولية لتشجيع الناخبين العرب على التصويت لخدمة الهدف المتمثل في إسقاط حكم اليمين”.
وحسب بعض المراقبين يتضح أن سياسة التخويف التي انتهجها نتنياهو نجحت إلى حد كبير، خصوصا في يوم الانتخابات نفسه، حيث دعا نتنياهو إلى مؤتمر صحافي عاجل، ليعلن فيه عن “نجاح المؤامرة”، ضد حزبه، وهو المؤتمر الذي سارع حزب “ميرتس” اليساري إلى تقديم شكوى ضده لدى رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي العربي سليم جبران. وبالمقابل سارع رئيس “المعسكر الصهيوني” المنافس إسحاق هرتسوغ إلى الدعوة لمؤتمر صحافي مضاد.
وقد أصدر جبران أمرا يمنع إذاعة وقائع المؤتمرين الصحافيين باعتبارهما “دعاية انتخابية ممنوعة في يوم الانتخابات”. ورد نتنياهو في حينه بانتقاد القاضي جبران باسمه، ملمحا إلى أنه يقوم بتمييز ضد شخصه، وقال بهذا الخصوص إن “كل التصريحات التي يطلقها سياسيو المعارضة وقادة القائمة المشتركة (العرب) لم تزعج لجنة الانتخابات المركزية، فأصدر قرارا ضدي وحدي”، وبذلك لمح إلى أن القاضي العربي ينضم هو الآخر إلى مؤامرة إسقاطه. ثم راح يقول بعد ذلك إن نشطاء “القائمة المشتركة” يتدفقون على الصناديق لرفع نسبة التصويت بين العرب إلى أعلى مستوى لها منذ قيام الدولة.
وكانت النتيجة، حسب عدد من المراقبين، أن آلاف المستوطنين تطوعوا لتجنيد الناخبين اليهود لرفع نسبة التصويت، وبفضل ذلك تبين أن “الليكود” حصل على غالبية الأصوات في المستوطنات اليهودية، وكذلك في البلدات القريبة من الحدود مع لبنان وقطاع غزة، وغيرها من مناطق الريف، حيث تتركز جماهير أحزاب اليمين. وفي النهاية حطم نتنياهو أحزاب اليمين المتحالفة معه، حيث هبط حزب “إسرائيل بيتنا” بقيادة أفيغدور ليبرمان من 13 إلى 5 مقاعد، وهبط حزب المستوطنين “البيت اليهودي” من 12 إلى 8 مقاعد، كما تراجع حزب شاس من 11 إلى 7 مقاعد، والشيء نفسه بالنسبة لحزب “ياحد” 11.
وهكذا انقلبت نتائج الاستطلاعات، وحصل نتنياهو على 30 مقعدا، واللافت أن حلفاء نتنياهو بلعوا الطعم وتقبلوا الضربة باستسلام تام، فهم لا يستطيعون الاعتراض ولا الاحتجاج ولا الشكوى. فهو اليوم القائد القوي، واليمين المتطرف يخشى الصدام معه حتى لا يهرب إلى حكومة تكتل وطني مع معسكر هرتسوغ. ورفاقه في الحزب، الذين يعتبرون تصرفه “لئيما” و”نكرانا للجميل”، لا يجرؤون على الاعتراض حتى لا يعاقبهم لدى توزيع الحقائب الوزارية.