قائمة مشتركة بدون الدروز
بقلم: أمير خنيفس
عبارات الترحيب التي تلقتها القائمة العربية المشتركة في الأيام الأخيرة في رحاب معينة في الوسط العربي، غابت وبشكل ملحوظ في صفوف أبناء الطائفة الدرزية في البلاد. هذا البرود لم يكن مفاجئا وعلى علاقة طردية بعدم تصنيف مرشح من أبناء الطائفة الدرزية ضمن القائمة العربية المشتركة في المقاعد العشرة الأولى.
إن محاولة تغطية هذا التهميش بوسائل تجميلية كانحصار العمل البرلماني لأعضاء البرلمان العرب على مهمات رمزية، أو من خلال عبارات وطنية مبنية على المزايدة أمر مرفوض في حين لا أكاد أرى منفذا لتصحيح مثل هذا الخطأ، كأن تقوم القيادات التي عملت على إنجاح مشروع القائمة المشتركة بالاعتذار العلني لتعترف من خلاله بالخطأ، وتتعهد بتصحيحه في المستقبل في حين ستتم إعادة تجربة "القائمة المشتركة " وسيتكرر مثل هذا التحالف مستقبلا.
إن عدم إدراج مرشح درزي ضمن العشرة مقاعد الأولى هو بمثابة صفعه كف من الدرجة الأولى في وجه القوى الوطنية العاملة داخل الطائفة، وتحديدًا اللجان الوطنية التي كرست الكثير من الجهود في السنوات الماضية، وفي ظل تحديات كبيرة من أجل توطيد العلاقة والتواصل ما بين أبناء الطائفة المعروفية وأبناء الشعب العربي الفلسطيني في البلاد.
بل أيضاً في وجه الكثيرين ممن لم يشجعوا التواصل الوطني من خلال أطر سياسية عربية، ولكنهم لطالما تصدوا لتغلغل الأحزاب اليهودية اليمينية المتطرفة داخل الطائفة، ويرون أن الهويتين العربية والفلسطينية تحملان مركبات أساسية لا تقل أهمية عن مركبات أخرى تشكل هوية أبناء الطائفة الدرزية المركبة، ولذا يتوجب التواصل مع من يمثل هذه المركبات.
وكيف لا فهي أيضاً بمثابة شهادة نجاح ومنح مصداقية لادعاءات الأحزاب اليهودية اليمينية وممثليهم داخل الطائفة والتي لطالما لوحت بتقاعس القوى السياسية العربية العاملة داخل البلاد فيما يتعلق بتمثيل أبناء الطائفة الدرزية، وتحالف كهذا يحقق دون أدنى شك التقارب والتعاون المشترك بين هذه الاحزاب وأبناء الطائفة.
كان من الممكن إدراج مرشح من أبناء الطائفة الدرزية على هامش اللائحة كما اعتادت الأحزاب العربية العاملة في الماضي أن تفعل، فيما لو بقي موضوع تشكيل القائمة منحصراً على أعضاء وقيادات الأحزاب نفسها. عندها يكون من الممكن تبرير مثل هذا التقصير بانعدام القوى الفعالة من أبناء الطائفة داخل قيادة الحزب، أو أن الحزب وقيادته لم يستطيعا مخالفة بنود أساسية داخل الدستور الحزبي، أو حتى الادعاء بأن القرى الدرزية فقيرة في مخازن الأصوات، ولأسباب تكتيكية اضطرت لدفع المرشح إلى ذيل اللائحة.
ولكن من الصعب تقبل مثل هذه التبريرات حين يكون الحديث عن قائمة عربية مشتركة، تخطت جميع الحواجز الممكنة وربطت بين قوى سياسية ذات أيديولوجيات متناقضة وبرامج عمل مختلفة، من أجل تخطي مأزق نسبة الحسم التي فرضتها حكومة نتنياهو الأخيرة، إيمانًا منها بأن الحل الوحيد لبقائها على قيد الحياة في الساحة البرلمانية الاسرائيلية، لا يتأتى إلا من خلال بناء مجسم سياسي اصطناعي يمثل القوى السياسية والاجتماعية والدينية الرئيسية العاملة داخل المجتمع العربي.
التجاهل الذي حصل يحمل بعدا مخجلا اذا قررنا الحديث بشفافية وصراحة، وقلب جميع الأوراق على طاولة اللعبة السياسية وتحديدًا تلك التي تحمل أشكالا هندسية مثقلة بالرموز الطائفية، والمعادلات الحسابية التي لطالما أتقنت ترتيب المرشحين ضمن لوائح الاحزاب العربية، بحيث لا يكون مرشحون متتاليون على اللائحة من أبناء نفس الطائفة.
استنكار قيادات الأحزاب العربية العاملة لوجود منظومات طائفية من هذا النوع داخل أحزابها، لا يلغي وجودها خاصة وإنها لطالما احتلت مكانة في البحوث الاكاديمية التي بحثت موضوع التصرف السياسي عند الناخب العربي بشكل عام وقيادتة السياسية بشكل خاص، في حين تكون لغياب تمثيل طائفي مناسب أبعاد جذرية أدت في الماضي إلى ظهور أحزاب جديدة على الساحة السياسية، من العيب علينا ذكر أسمائها في ظل غياب مؤسسيها في مهام تنقيب عن البترول في الخليج بعيدًا عن أرض الوطن.
وان كان فتح الأوراق بهذه الحدة يشكل حالة من الارتباك عند بعض اللاعبين، فاعتقد أن لا أحد منهم يستطيع أن يشكك في الأيديولوجية الدينية وبرنامج العمل الطائفي والمقومات الرمزية التي تميز الحركة الإسلامية والتي تشكل أهم أعمدة هذا المجسد السياسي، والذي بني في الآونة الاخيرة تحت عنوان "القائمة العربية المشتركة".
بناء على ما جاء يمكننا الادعاء بأن القائمة العربية المشتركة لربما تكون المجسد السياسي المناسب لتخطي نسبة الحسم العالية في الانتخابات المقبلة، ولكنها لا تزال بعيدة من أن تكون الإطار السياسي الحميم، الذي يرضي شرائح واسعة في المجتمع العربي على الأقل للكثيرين من أبناء الطائفة الدرزية، وتحديداً تلك التي طالما نفرت من تعامل أحزاب يهودية معها بشكل غير متساوٍ، ولكنها بالطبع ترفض التعاون مع قائمة سياسية عربية "مشتركة" تتجاهل كيانها كمجموعة دينية-ثقافية حتى لو كان الأمر محصورا بتمثيل رمزي.