حين اغتيل الشهيد كمال جنبلاط في آذار من العام 1977، أي منذ ما يقارب الاربعين عاماً الا عامين، قيل ان قدر نجله الوحيد وليد ان يلبس عباءة الزعامة باكراً، لكن لا مفر من ذلك لأن الزعامة لن تؤول الا اليه.
بعد هذا النصف قرن، إلا قليلاً، اثبت النائب وليد جنبلاط جدارة قلَّ نظيرها: حارب حتى التهجير وهادن حتى التحالف، يعرف متى يمد يده للمصافحة، ويعرف متى يضع إصبعه على الزناد، عقلٌ استراتيجي في قالب ساخر وروح مرحة، عنده الجبل أولاً والبقية تأتي.
أكثر من مرة شعر بنشوة الانتصار لكنها غالباً ما تكون مغلَّفة بالمرارة، وأكثر من مرة ذاق مرَّ الهزيمة لكنه كان يعرف كيف ينبعث من رمادها. بلغ به القرف مرة ان قال: ليتني أعمل زبَّالاً في نيويورك! لكن هذه الامنية لم تتحقق، أو أكثر دقة لم يحققها زعيم المختارة، بل بقي على تماس مع سياسات التوتر العالي في المنطقة، مع ادراكه العميق بان اللعب مع هذه السياسات يُطيح رؤوساً.
أكثر من مرة طلب من الدروز عدم التجند في الجيش الاسرائيلي، وحين اندلاع الثورة السورية طلب من الدروز في الجيش السوري عدم القتال.
يلعب سياسة حافة الهاوية مع تيقنه بأن هذه السياسة احتمالات الخسارة فيها أكبر من احتمالات الربح.
زعيمٌ رفيع المستوى، يتلزم اركانه مواقفه قبل أي شيء آخر، يقول وزير الزراعة في الحكومة الحالية أكرم شهيب: بالنسبة اليّ فإن كلمة وليد جنبلاط اهم من مقررات مجلس الوزراء. وحين بدأ وزير الصحة وائل أبو فاعور خطوات مكافحة الفساد جهر بالقول انه يُنفذ سياسة الحزب التقدمي الاشتراكي.
هذا الكلام لا يغيظ النائب جنبلاط لأنه يثبت يوماً بعد يوم صلابة زعامته التي لا ينازعه عليها أحدٌ إلا... نفسه.
لكن معلومات دبلوماسية مفاجئة تؤكدان هذا الزعيم قرر ان يرتاح.
نعم... قرر ان يرتاح.
الخبر سينزل نزول الصاعقة على انصاره ومحبيه أولاً وعلى خصومه ثانياً.
مصادر جهات ديبلوماسية شرقية، معنية جدا بالشأن اللبناني، لارتباطه بشؤون المنطقة، رصدت ميلاً لدى النائب جنبلاط الى الاستقالة من مقعده النيابي في الشوف وانتخاب نجله تيمور في هذا المقعد.
هذه المصادر الديبلوماسية الشرقية رفعت تقريرا الى حكومتها تتحدث فيه عن ان قرار النائب جنبلاط هو نهائي ولا رجعة عنه وانه تداول فيه مع حليفه في السراء والضراء رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عبّر عن احترامه لقرار زعيم المختارة.
ودائماً بحسب ما تنقل الجهات الديبلوماسية الشرقية فإن النائب جنبلاط سيُقدم استقالته في النصف الثاني من هذا الشهر، وعندها سيكون على الحكومة ان تتخذ قرارا بالدعوة الى اجراء انتخابات فرعية لملء المقعدين الشاغرين في كل من الشوف وجزين: مقعد الشوف الذي يكون قد شغر باستقالة النائب جنبلاط، ومقعد جزين الذي شغر بوفاة النائب في تكتل التغيير والاصلاح ميشال الحلو.
في جزين ستكون هناك معركة شرسة بسبب تعدد المرشحين، ولكن هل سيشهد الشوف معركة مماثلة؟ المعطيات تشير الى انها في الشوف مختلفة كلياً عن تلك في جزين، فالاتجاهات تميل الى انجازها في الشوف عبر التزكية إذا لم يترشح احدٌ في مواجهة تيمور.
وليد جنبلاط سيتقاعد ولكن هل سيستريح؟