"لا يستثار جنسياً ما لم يوقع الألم بي، ضرب وإهانات وسحل ورعب"، كلمات نطقتها نهى بحرقة على سنوات أمضتها تحت تعذيب من نوع آخر، تعذيب تعاني منه العديد من السيدات من دون أن يجرؤن على الكلام، فيطمسن "الجريمة" التي وقعت بهن داخل غرفة نومهن فالشكوى حرام، لا بل لمن تشتكي في مجتمع شرقي يعتبر الحديث عما يحدث على سرير الزوجية من المحرمات.
نهى التي كانت تشعر بالرعب عند بدء العملية الجنسية، تعرضت الى كسر في يدها ومن بعدها في رجلها كل ذلك كي يصل "وحشها" الى نشوته، قالت لـ"النهار": " عندما تعرفت إلى زوجي كان رجلاً هادئ الطباع ورومانسياً، آخر ما كنت أتصوّره أن يكشّر عن انيابه بعد ان يستفرد بي داخل القفص. فمنذ اليوم الأول لزواجنا تعرضت لكسر في يدي، فقد كان ذئباً وكنت الضحية، كان يشبع رغبته بطريقة غريبة...".
حين بدأ زوج نهى تقبيلها "شعرت بشيء غير طبيعي، فحتى قبلته كان لها صوت غريب، ومع ارتفاع نشوته رويداً رويداً كان العنف يزيد ضرباً مبرحاً وشدّ شعر مصحوباً بشتائم واهانات، وتكمل "كلما كنت أصرخ ألماً، كان يتلذذ أكثر لذلك مع الوقت بدأت أدعي الوجع".
بدلاً من أن تكون العلاقة الجنسية بين نهى وزوجها لتذوق الحب تحولت فيلم رعب، يروي قصة محارب في ساحة المعركة، يستخدم كل وسائل ارهاب "العدو" كي يرفع راية النصر. نهى عودت نفسها على خوض المعارك مع زوجها، فلم يكن لديها خيار آخر سوى العودة الى منزل اهلها مطلقة، وهو أمر اعتبرته مستحيلاً كون والدها من "العقليات القديمة"، وتلفت: "قررت أن استمر في زواجي واتحمل ساعة تعذيب كل يومين أو ثلاثة على العودة الى بيت العائلة وتحمل نار كلماتهم الجارحة".
لكن آخر ليلة أمضتها معه تغيّرت خياراتها واصبحت بين الموت على سريره ونار كلمات أهلها، وبما أن الروح غالية، هربت بقدرة قادر بعدما ضربها بوحشية كسر خلالها رجلها. نهى صوّرت المشهد الأخير:"لم تكن ليلة كمثيلاتها، لم تكفه لذة ضربي كالعادة وشد شعري، لم انس كيف كانت عيناه جاحظتين، يومها استخدم الحزام فالضرب بيده لم يعد يوصله الى نشوته، حاولت ان اهرب من السرير لحق بي وقعت أرضاً وكسرت رجلي، بدأ يضحك بصوت عال، وجاء بحبل وربط يدي على قائمتي السرير، في ذلك اليوم اغتصبني، نعم اغتصبني، وما ان انتهى من غريزته الحيوانية ونام حتى هربت، دموعي كان تنهمر كالشلال، لم أعرف علامَ كنت أبكي ولمَ؟ على اغتصابي ام كسر رجلي أم على وحش كان يوماً نصيبي".
انتهت حكاية عذاب نهى الجسدي، لكن عذابها النفسي لا يزال مستمراً على أمل أن تستطيع الايام محو ما خلفته همجية إنسان.
اغتصاب من نوع آخر
تستقبل جمعية "كفى" حالات عدة لنساء تعرضن للعنف الجنسي واللواتي لا يتجرأن على البوح بذلك الا بعد فترة من الزمن وان كان لا يوجد رقم محدد كونه لا يزال موضوعاً حساساً. الا انه، وبحسب ما قالته المسؤولة الاعلامية في الجمعية مايا عمار لـ"النهار"، العنف الجنسي هو انتهاك او اي فعل داخل العلاقة غير مرغوب فيه من الطرف الآخر واي ممارسة ليست عليها موافقة ". وأضافت " إن المرأة التي تتعرض لعنف اسري غالباً ما تتعرض لعنف جنسي، والذي يتخذ أشكالاً عدة منها ممارسة جنسية غير مرغوب فيها، أو اجبارها على اتخاذ وضعيات أو حضور افلام بورنو واعادة تمثيل المشهد، بالاضافة الى اعتبارها سلعة". ولفتت "في البداية لا تستوعب المرأة ما يجري معها للحديث عن الموضوع، وتحديداً انها تتعرض للاغتصاب داخل العلاقة الزوجية".
يجب أن تتخطى المرأة المعنفة المشاعر التي سببها لها العنف، وتعاود ترميم الثقة بنفسها وجسدها، ولدى جمعية "كفى" اختصاصية نفسية ترافق هؤلاء السيدات "بخاصة أن موضوع العنف الجنسي يؤذي المرأة ويضرّ بعلاقتها بجسمها وانسانيتها وكرامتها الانسانية".
مرض نفسي مرتبط بالطفولة
الاختصاصي في علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري اعتبر في حديث لـ"النهار" أن "السادية هي لذة الانسان بتعذيب الآخر ومشاهدته والتمعن بهذه المشاهدة بمزيد من المتعة". وعما إن كانت مرضاً نفسياً، أجاب "بالتأكيد كونها تنطوي على مفاعيل مرتبطة بالطفولة وفترة المراهقة وصعوبات التأقلم والانسجام وبالطاقات التفاعلية عند الانسان التي تكون مجتزأة والتي تؤدي غالباً الى الفشل في اقامة العلاقات، لذلك يعتبر الانسان ان انتقامه من نفسه غير ممكن وبالتالي انتقامه من الآخرين مع شيء من المتعة هو المناسب أكثر".
ويستطرد "لذة تعذيب الشخص أو اسماعه كلاماً بذيئاً أو تحقيره والتي بدونها لا يمكن أن يصل الرجل الى النشوة تقوم على المبدأ نفسه وهي كذلك حالة مرضية، وغالبا ما تكون موجودة لدى الطرفين لكن ليس لدى الثنائي نفسه، ما يجعل الحياة صعبة بين من يرغب في السادية كوسيلة ويكون الشريك أو الشريكة غير قابل لهذه البدعة".
من يتلقى العنف لديه حل من اثنين، بحسب خوري، "اما ان يتقبل الموضوع او ينفر منه ويهرب، لكن المريض السادي يحتاج الى علاج نفسي وأدوية تواكب العلاج. فهو مرض نفسي أساسي وهام مرتبط باضطراب في الشخصية، فقد يكون المريض شخصية عدائية عدوانية، أو كيدية استفزازية كما قد يكون شخصية معقدة، وقد يكون تعرض لمجموعة أمور في طفولته اوصلته الى حالة من مركبات النقص". ولفت: "المنطق يقول بجدوى علاج نفسي طويل الأمد يبدأ بفهم مكنونات الطفولة والمراهقة ولاحقاً المتابعة والمواكبة علاجياً للمرحلة التي اعقبت النضج والتي ادت الى هذا الاضطراب في الشخصية".
ماذا يقول رجال الدين؟
الموضوع شائك بحسب القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة، الذي قال لـ"النهار" إن " العنف ضد المرأة ممنوع شرعاً، هناك محرمات يمنع على الرجل ان يمارسها في علاقته مع زوجته "، ويشير إلى أن "كل ما يضر الزوجة في الممارسة الجنسية محرم ويجب أن يبتعد عنه، ولها الحق ان تمنع زوجها منه، لا بل لا يجوز ان تجاريه وأن تسكت عن ايذائها، فحتى لو وافقت على تعذيبها الا ان هناك اموراً يحرم الشرع ممارستها". ويضيف: "الشرع يقول أن يأتي زوجته بما أحله الله له، فاذا مارس العلاقة الجنسية بما يخالف الشرع فهذا الشيء ممنوع شرعاً حتى لو رضت الزوجه به كأن يعمل على اسقائها المسكرات قبل ممارسة الجنس ليذهب عقله وعقلها ".
العلاقة بين الزوجين يجب ان تقوم على الاحترام من دون مخالفات شرعية، و"الممارسة الجنسية بين الزوجين يجب ان تقوم على المحبة الذي بنتيجته يكون الاحترام المتبادل والعلاقة تجري بطريقة صحيحة لا تشبه الشذوذ الجنسي".
لكن هل يحق للمرأة المعنفة جنسياً الطلاق، أجاب: " اذا رفضت هذا الامر وأثبتت من خلال تقارير طبية او بما تستطيع اثباته انه يقوم بتعنيفها وممارسة ما حرمه الله عليها، يكون هذا سبباً من اسباب الطلاق عند اثباته".
من جانبه، اعتبر الأب جورج برباري في حديث لـ"النهار" أن "هناك أموراً لا يتدخل بها الدين المسيحي لا سيما تفاصيل الحياة الجنسية، بخاصة عندما يكون هناك رضى من الطرفين على الموضوع "، كما أضاف ان "العلاقة خلافاً للطبيعة تشكل أحد أسباب الطلاق وهي واردة في القانون".
ورأى انه "خلافاً للطبيعة عبارة تحتمل عدة تفسيرات كما كل أمر قانوني"، وشرح "اذا كان هناك رضى من الطرفين لا نتدخل في الموضوع، لكن ان كان هناك شكوى بشأن تعرضها للضرب خلال العلاقة الجنسية عندها يتم التدخل لوضع حد للموضوع لأن هذا الضرب يعرض حياتها للخطر، لكن في هكذا حالات غالباً ما لا يكون هناك دعاوى في شأنها بل يصل الزوجان الى ميثاق يبيّن حدود العلاقة وما هو الممنوع فيها".
وختم حديثه بأن "العلاقة الزوجية هي تضحية لا ان أصل الى حقي من دون التفكير بالآخر، هي عطاء وأخذ وليست انانية، وفي هذا العطاء والأخذ يمكن طرف ان يضحي من أجل الآخر".