فراس الشوفي - الاخبار
لا يزال صدى المعارك في المقلب السوري من جبل الشيخ يتردّد في حاصبيا وراشيا والجليل والكرمل، بعد أيام على سقوط عشرات المقاتلين في «قوات الدفاع الوطني» الموالية للجيش السوري، من أبناء قرى عرنة وبقعسم وقلعة جندل وأشرفية صحنايا ذات الغالبية الدرزية، في معارك مع «جبهة النصرة» وكتائب إسلامية أخرى.
وحتى الآن، لم تتمكّن الجهات المعنية على المقلب السوري من إحصاء أعداد دقيقة للشهداء، في ظلّ امتناع «النصرة» والكتائب الأخرى عن تزويد لجنة الاتصال التي تألّفت من فعاليات في بلدة حينة، بأعداد الجثث التي تحتفظ بها، إضافة إلى تأكيد أعداد الأسرى. وعلمت «الأخبار» من مصادر أهلية في عرنة تواكب عملية التفاوض، أن «اللجنة لم تحصل حتى الآن على أي معلومات دقيقة، ولا يمكننا التكهّن بمسار المفاوضات أو نتائجها». وأوضحت أن «الكتائب المسلحة لم تؤكّد أو تنفِ أعداد الشهداء أو الأسرى، وما تأكدنا منه هو وجود أسيرين هما يحيى مسعود وسليمان أحمد بدر الدين (من عرنة) بسبب شريط فيديو جرى تسريبه، وقد تكون الحصيلة النهائية 39 شهيداً، لكن المسلحين لا يريدون خسارة ورقة الضغط».
جنبلاط رواجاً خارج إطار «عصب» الحزب التقدمي الاشتراكي
من جهتها، قالت مصادر في «الدفاع الوطني» لـ «الأخبار» إن «المعارك لم تنته، ورجال الدفاع الوطني مصمّمون على حماية قرى جبل الشيخ والاقتصاص من الإرهابيين الذين غدروا بزملائنا، وما حصل كان خطأً تكتيكياً يحصل في أي معركة، لكن فاتورة الدم كانت كبيرة، وسنعمل على تحرير بلدة مغر المير المحتلّة من قبل إرهابيي النصرة منذ أشهر». وأكدت مصادر عسكرية سورية أن «الجيش السوري سيعمل قريباً على قطع طريق خان الشيح عن جبل الشيخ لمنع الإرهابيين المدعومين من إسرائيل من التحرك في اتجاه الريف الدمشقي، وعلى حماية القرى والآمنين». واعتبرت مصادر أخرى في «قوات الدفاع الوطني» الحديث عن أن إرهابيي «النصرة» لا يريدون الدخول إلى القرى الدرزية «كلاماً في الهواء، لأنهم سبق ودخلوا إل مغر المير وخطفوا عدداً من أبنائها، وسقوط الشهداء لن يدفعنا إلى الوقوف على الحياد في حال قرر المسلحون مهاجمة مواقع الجيش القريبة، بل على العكس». وبحسب المعلومات، فإن «النصرة» تحاول ربط الحدود مع الجولان المحتل بريف دمشق الغربي مع خان الشيح والالتفاف على طريق دمشق ــ القنيطرة، بعد الفشل في السيطرة على قطنا وسعسع. وأشارت مصادر أمنية معنية إلى أن «المسلحين استقدموا للغاية، تعزيزات من جباتا الخشب عبر بيت جن، لكن الجيش بالمرصاد بالتعاون مع اللجان والدفاع الوطني».
وإن كان الغضب والحزن قد ظلّلا أبناء طائفة الموحدين الدروز في سوريا بسبب هذا العدد من الضحايا، فإن ارتدادات ما حصل ستترك أثراً عميقاً على القرى اللبنانية والفلسطينية القريبة، إذ أعادت أحداث جبل الشيخ تثبيت مواقف الفرقاء الدروز في لبنان على طرفي النقيض من الأزمة السورية، وإظهار التباين في «الشارع الدرزي». ففي وقت استغل النائب وليد جنبلاط نتائج المعارك لتكرار موقفه الداعي الى «الحياد وفكّ الارتباط مع النظام السوري»، وضمناً الى وقوف الدروز إلى جانب «النصرة»، يصرّ أنصار النائب طلال أرسلان والحزب السوري القومي الاجتماعي والوزير السابق وئام وهاب على ضرورة حمل الدروز السلاح إلى جانب الجيش السوري وحزب الله ضد «النصرة» التي باتت تتلقى دعماً واضحاً من الجيش الإسرائيلي في محافظتي القنيطرة ودرعا، وتمثّل خطراً حقيقياً على كل مكوّنات الشعب السوري أسوة بتنظيم «داعش».
على «الأرض»، لا يلقى خطاب جنبلاط الأثر المطلوب خارج إطار «عصب» الحزب التقدمي الاشتراكي، على الأقل في راشيا وحاصبيا. وبينما يبتعد الاشتراكيون عن الحراسة الليلية ومظاهر التسلح في قرى راشيا المتاخمة للحدود، عملاً بقرارات جنبلاط، يجذب تمسّك التيار «اليزبكي» والمشايخ بالتسليح الذاتي وحماية القرى جزءاً من التيار الرمادي الدرزي، مع تعاظم الخوف من هجمات محتملة للتكفيريين، في ظلّ المعارك التي تحصل بين إخوانهم والتكفيريين على المقلب الآخر من الجبل. حتى أن البعض من أبناء راشيا وحاصبيا لا يكتفي بحمل السلاح ليلاً وإقامة أطواق حول القرى المتاخمة للحدود، بل وصل الأمر إلى حدّ الاستعداد لإنشاء مجموعات عسكرية والتوجّه إلى القرى السورية للدفاع عنها.
وتترافق تصريحات جنبلاط مع حملة لمسؤولي الاشتراكي في المناطق وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، للقول إن «النصرة» لا تريد قتال الدروز، وإن الجيش السوري تخلى عن المقاتلين الدروز خلال المعركة. علماً بأن المعطيات الميدانية التي وصلت، حتى إلى مسؤولين اشتراكيين، تشير إلى أن ما حصل لا دخل للجيش السوري به من قريب أو بعيد، وأن تدخله وحزب الله منع وقوع عدد أكبر من الشهداء.
من جهتها، ترى مصادر الحزب الديموقراطي أن «جنبلاط سبق أن أفتى بقتل الدروز السوريين، فلماذا الآن بات معنياً بالدفاع عنهم؟ ثمّ ما هي الضمانات التي يمكن أن يحصل عليها من إرهابيي النصرة وغيرها إذا كانت هذه الجماعات تكفّر من لا يسير على نهجها من السنة قبل الشيعة والدروز؟ لا سبيل أمام القرى سوى حمل السلاح والدفاع عن نفسها إلى جانب الجيش السوري». وترى مصادر درزية قريبة من قوى 8 آذار أن «موقف الدروز في لبنان هو إلى جانب الجيش اللبناني ضدّ أمثال أحمد الأسير وشادي المولوي، فلماذا يطلب من دروز سوريا أن يكونوا مع النصرة الذين يكفّرون الدروز عملاً بنهج ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب؟ إذا كانت لدى جنبلاط ضمانات، فليضع لنا خطة كيف نتفاهم مع التكفيريين، وليبدأوا بالإفراج عن الجنود اللبنانيين المخطوفين، قبل الحديث عن سوريا».