رؤساء المجالس العائلية
مقالة خاصة بمناسبة عيد الأضحى المبارك
بقلم: أمير خنيفس
قرار رئيس المجلس المحلي لقرية البقيعة الدكتور غازي فارس بالاستقالة من منصبة منذ أسبوعين، وإن لم يطبق، يحمل في طياته نهجًا سياسيًّا جديدًا غريبًا عن ثقافتنا السياسية، ويمارس على الأكثر في دول ديمقراطية متقدمة، حيث يستقيل صاحب مركز من منصبه ليس بسبب ضعف في الشخصية أو على أثر شعور بالنقص، وإنما بعد أن وصل إلى استنتاج بأنه لا يستطيع تقديم الكثير من خلال منصبه، وإيمانًا بأن الظروف المحيطة تقف حاجزًا بينه وبين تحقيق الوعود التي قطعها على نفسه ولجمهور ناخبيه.
استقالة الدكتور غازي لحقها موقف مؤثر حين حضر بعض رؤساء المجالس المحلية إلى مقام سيدنا سبلان خلال الزيارة السنوية وخاطبوا الملأ، بمن فيهم أعضاء ورئاسة المجلس الديني الأعلى حول الأزمة المالية التي تعاني منها مجالسهم المحلية، والتي تنعكس بشكل سلبي على عمل المجالس وإمكانياتها في تقديم الخدمات الجماهيرية ورفع مستوى البنية التحتية في قراهم بشكل يلائم تطورات العصر.
الموقف كان مؤثراً وظهرت وحدة الصف جليّة، ولكن مثل هذا الموقف كان بودنا أن نراه خلال تعامل رؤساء المجالس المحلية مع المؤسسات الحكومية والحكم المركزي في القدس، والتي لها التأثير الأكبر على حل المشاكل الملحة التي تعاني منها المجالس المحلية، ولا أن تكون أمام مشايخ الدين، والذين كان من الطبيعي أن يطلبوا من الدكتور غازي التراجع عن قراره كوسيلة من أجل تهدأة الخواطر ومنع الفوضى.
الحقيقة هي أن السبب الرئيسي لفشل عمل روئساء المجالس والمنتدى يعود الى أعضاء المنتدى أنفسهم. لأن المنتدى ليس ببناية من الإسمنت، ولا بجسمِ من نحاس، وانما عبارة عن مجموعة من المنتخبين الذين أخذوا على أنفسهم مسؤولية العمل من أجل مجتمعنا، وتعهدوا مراراً خلال فترة الانتخابات على العمل من أجل رفع مستوى الخدمات الجماهيرية وتحسين البنية التحتية على أشكالها في قراهم. ومنتدى رؤساء المجالس ليس بأكثر من حلقة تضم هؤلاء المنتخبين الذين سوية يمثلون أبناء عشيرة واحدة تعيش في منطقة جغرافية واحدة في البلاد. والأهم من ذلك تعاني قراهم وإن كان بتفاوتات ضئيلة من نفس المشاكل الملحة.
ولكن في حين استطاع رؤساء المجالس المحلية الواقعة على الحدود الشمالية، ورؤساء المجالس المحلية في محيط غزة، ورؤساء المجالس المحلية والمستوطنات في الضفة الغربية وغيرهم في إقامة منتديات ناجحة والعمل بشكل مشترك على وضع قضايهم الملحة على الخارطة السياسية للحكومة المركزية في القدس، إيماناً بأن العمل المشترك هو أضمن طريقة من أجل تحيقق أهدافهم وتحقيق الوعود التي قطعوها على أنفسهم ولجمهورهم - في دولة كدولة أسرائيل يتركب مجتمعها من مجموعات دينية وعرقية وإثنية، وكل منها له احتياجات خاصة ومختلفة- فشل رؤساء مجالسنا في التقدم ولو بخطوة واحدة في هذا الاتجاه.
إنّ محاولة تبرير فشل مثل هذا التعاون من خلال التلويح بعبارات رنانة من فترة الانتخابات مثل " حيفا تجمعنا" أو " كلنا تل أبيب"، هو في الواقع ليس أكثر من فرقعات فارغة، وإعلان واضح لفشل قيادتنا السياسية في تخطي النزاعات الداخلية، وأنها ليست بأكثر من ممثلين لعائلات استطاعت التغلب على عائلات أخرى في جولة الانتخابات الأخيرة. لأن كل من يتحلى بذرة معرفة في العمل السياسي يفهم جيداً بأنه لا مجال من تحقيق الكثير لأي رئيس مجلس يعمل بشكل انفرادي أمام مؤسسات حكومية تتعامل بشكل يومي مع ما يقارب سبعين بلدية، وتسعين مجلسًا محليًا، وثلاثة وخمسين مجلسًا إقليميًّا، وعشرات أخرى من الكيبوتسات والمجالس الجماهيرية والمستوطتنات...ليس غريباً بأن اختلاف عمل رئيس مجلس عن زميله في العمل يتلخص في الاونة الاخيرة في نسبة استهلاكه الفيسبوكي، وقدراته الإعلامية في تحويل أي إنجاز شكلي حتى لو تلخص بمشروع مد سلك كهرباء واحد إلى مشروع إعلامي يضاهي محطة الكهرباء في الخضيرة.
الأبخس من ذلك أن القيادة السياسية والدينية في الطائفة لا تحاول تغطية هذا الانشقاق على قادة الدولة بل تؤكد لهم مرة تلوة أخرى بأننا غير متفقين حتى على استقبال القيادات الرسمية بالرغم من أن إنجازات مثل هذة الزيارات لا تتعدى سوى بمذاقهم لامأكولاتنا. هكذا على سبيل المثال زيارة رئيس الحكومة لمعايدة الطائفة منذ عدة أشهر تخللها لقاءان مختلفان: الأول تم في جولس وبحضور جزء من رؤساء المجالس المحلية، والآخر في بيت الشهيد في دالية الكرمل بحضور قيادات سياسية محلية.
الطعن في مكانة وشرعية المنتدى أصبح موضة إلى درجة أن من كان من يستقيل منه يعلن ذلك بكل فخر، وكأنه استطاع بذلك تحيقق أكبر إنجازاته ووعوده لجمهور ناخبيه. هكذا على سببيل المثال لم يكتفِ رئيس مجلس جولس بتقديم قرار استقالتة الى المنتدى وأعضائه، بل قام بإرسال قراره إلى جميع المسؤولين في الدولة طاعنا بذلك شرعية المنتدى المنتخب والشرعي الوحيد الذي يمثلنا أمام الحكومة المركزية كأقلية طائفية في البلاد، وكأن ما يفصل بين تحويل جولس إلى هرتسليا بيتوح هو الاستقالة من المنتدى والقضاء على هذا الكيان.
آمالنا ما زالت معلقة بكم، وكان بودنا أن تكونوا قيادة سياسية موحدة الصف، وفي العمل أمام الحكم المركزي في البلاد، لأنكم القوة الوحيدة المنتخبة بشكل شرعي وديمقراطي، ولها حق المثول لتمثيل قضايانا الملحة بشكل قانوني أمام الدولة وحكومتها. أضف الى ذلك بأنه أصبح واضحاً للجميع بأن جزءًا كبيرًا من النقص الذي تعيشة قرانا مرتبط بشكل مباشر بالسياسة العنصرية والتقصير المستمر من قبل أجهزة الدولة اتجاه الأقلية الدرزية وقضاياها الملحة، واستمرارية تعاملها مع هذه القضايا من خلال موهوبين من بيننا في جمع الأصوات للأحزاب الكبيرة، الأمر الذي يحتم عليكم مرّتين توحيد الصفوف والعمل بشكل جماعي أمام هذة الضغوطات.
إعادة ترتيب عمل المنتدى ولجانه لربما تكون الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها. حيث يجب ضم ممثلين عن القوى السياسية العاملة في القرى المختلطة، وتلك التي لا تحظى بمنصب مجلس محلي مستقل، وتحديداً كل من شفاعمرو والرامة وكفرياسيف وعين الأسد، وذلك لرفع شأن المنتدى وقوة تمثيله السياسي. في حين تكون الخطوة الثانية إعادة انتخاب رئيس وسكرتير للمنتدى بشكل سري ليكون المعيار من كل من يملأ أي منصب هو المؤهلات الشخصية للسعي في المنتدى قدماً، لا كونه بعيدًا عن تشكيل خطر سياسي على الأعضاء الآخرين. أما الخطوة الثالثة فتتمركز في إقامة لجان مصغرة من عضوين أو ثلاثة تقوم كل منها بتركيز العمل في موضوع واحد ملح، ومتابعة التطورات به مع المؤسسات الحكومية المختصة وعلى رأسها:
-لجنة مالية : تتابع موضوع ميزانية الدولة مع وزارة المالية والخطة الخماسية للقرى الدرزية وكيفية تاثيرها على ميزانية المجالس المحلية.
- لجنة معارف: تتابع مستوى التعليم ومنهاج التدريس في مدارسنا والقضايا الأخرى المتعلقة علمية وتربوية أمام وزارة المعارف.
-لجنة أراضي والقرية الجديدة: تتابع موضوع الأراضي والخرائط الهيكلية ، وتمنع محاولات مصادرات أخرى. كما تتابع التطورات في موضوع القرية الدرزية الجديدة لإيجاد حل جذري لضائقة السكن في قرانا.
-لجنة سياسية : تتداول مع الأحزاب السياسية الكبيرة حول قوى سياسية تمثلنا داخل الأحزاب الكبيرة خاصة وأننا سئمنا من مقاولي الاصوات والذين على الاغلب يمثلون الأحزاب بيننا بدل من تمثيل قضايانا عندهم.
لجنة من أجل هضبة الجولان والسويداء: تتابع التطورات السياسية في سوريا ومنطقة هضبة الجولان وتكون باتصال مكثف مع القوى المسؤولة في الدولة حول التطورات الجارية في هذا الموضوع وإمكانيات الدعم الواردة بهذا الصدد.
ولكن من أجل تحيقيق كل ذلك يجب عليكم أولا وقبل كل شيء التعالي عن الأنا الشخصي ووضع جميع الخلافت الشخصية من ورائكم والإيمان بأن الوحدة والعمل المشترك هما سر كل نجاح، وأن تكونوا قدوة للعائلة المعروفية الواحدة التي تجمعنا لتقودونا نحو مرحلة سياسية نوعية، ومستقبل جديد، سأل الله تعالى أن يعيد العيد علينا وعلى الجميع بالخير والصحة والعافية.