وسط ساحة متشرذمة من الفساد في معظم القطاعات اللبنانية، كانت الخشية أن تُقدِم بعض الوكالات اللبنانية الخاصة بعرض الأزياء والموضة على تنفيذ عمليات غير شرعية تُثبت أنّ الفساد متأصّل في نشاطاتها العلنيّة وغير العلنية. موجة جديدة من اللاإدارة واللاتنظيم تودي بلبنان إلى حال من الخراب الإجتماعي المباشر.
لا تزال الألاعيب على مواقع التواصُل الإجتماعي تتوافر ضمن المساحة العنكبوتية المُتاحة لها، فتُطاول الأفراد والمجموعات لتصِل إلى المجتمع بكامله. وتكمُن القضيّة في مُمارسات غير قانونيّة وحنكة في استهداف الأفراد، خصوصاً الشابّات منهم، من خلال أساليب الخداع والاحتيال، وذلك لغايات جنسيّة أو مادّية. هذا ما تُقدم عليه بعض وكالات عرض الأزياء المُنتشرة على المواقع الإلكترونيّة بُغية جَذب الشابّات للوقوع في شباكها.
ذئبٌ في ثياب حَمَل
فإمّا أن تكون تلك الوكالات شرعيّة بالكامل، أي مُرخّصة في الدولة عبر تسجيلها في وزارة العمل على أنّها شركة أو مؤسّسة تُعطى اسماً تجاريّاً، وإمّا أن تكون وكالة بـ«ثياب الحَمَل»، تدّعي العمل الشريف، فيما هي مِن الداخل ذئبٌ خاطف يبتغي الدعارة أو المُمارسات الجنسيّة لكسب المال. وتبدو الوكالات غير الشرعيّة مُنساقة وراء مواقع التواصل الإجتماعي كـ»فايسبوك» و«إنستغرام» وغيرها، لأنّ الرقابة الإلكترونيّة معدومة.
الجرّاح
في هذا السياق، شدّد النائب في كتلة «المُستقبل» وعضو «لجنة المرأة» في البرلمان جمال الجرّاح، في حديث لـ«الجمهورية»، على «ضرورة صَوغ وتشريع قوانين خاصّة بوكالات عَرض الأزياء، وتأليف هيئة نقابيّة تُشرف على أدائها، فضلاً عَن رفع مُستوى الوعي الإجتماعي لئلّا تتعرّض الشابّات لإغراءات وضغوط وتهديدات».
إحتيال
وقد رصدت «الجمهورية» عَيّنة من الوكالات غير الشرعيّة المُنتشرة على «إنستغرام»، فلاحظت ما يلي: غياب أرقام الهواتف والعناوين الخاصّة بمكاتبها، إتقان عمليّة الخصوصيّة التي تمنع الناشطين على هذا الموقع من مواكبة أعمالها، نسبة الأفراد التي تستهدفهم (following) تفوق نسبة مُتتبّعيها بأشواط (followers). كذلك، فإنّ الرابط المُفترض أن ينقل الناشطين إلى الصفحة الخاصة بالوكالة على «فايسبوك» غير متوافر حتّى إشعارٍ آخر... وإلى ما هنالك من دلائل تُبرز اقتران أعمال تلك الوكالات بالدعارة أو بأساليب كسب المال غير المشروع.
طربيه
من جهته، أكّد المُحامي بالإستئناف الدكتور ربيع طربيه، أنّ «قانون العقوبات اللبناني ينصّ على تجريم هذا النوع من الدعارة وكذلك الوكالات غير الشرعيّة تحت الفصل المتعلق بأحكام جرم الإحتيال»، مُعتبراً أنّ «الدولة اللبنانية تحتاج تشريعات مُلحّة لضبط هذا النوع من الوسائط الإلكترونيّة، بيدَ أنّ وتيرة التشريع باتت مُتضائلة، لا بل معدومة حاليّاً نظراً إلى التجذابات السياسيّة في المعترك السياسي».
تراكُمات
وكانت وكالات عرض الأزياء اللبنانية تعرّضت سابقاً لمجموعة انتقادات لاذعة بسبب تضليل العارضات وترويج بدع تمُسّ الشرف. من جهتها، لا تُعنى الوكالات الشرعية المعروفة بهذا القدر من التعليقات المهينة اليوم، بقدر ما تتوجّه أصابع الإتهام إلى كلّ «وكالة إلكترونية» تعتبر العمل العنكبوتي الوسيلة الأكثر جذباً واستقطاباً للشابّات.
هُنا يتكرّر مفهوم الكارثة التي لا يزال عالقاً في عقول اللبنانيين والمُتمثّل بمُمارسة الدعارة إمّا تحت ستار قانوني، وإمّا من خلال آليات جديدة تتّبع التكنولوجيا والتطور لتكون قادرة على الإيقاع بالشابّات والإتجار بهنّ.
وأوضح طربيه أنّ «القوانين اللبنانية ترعى ممارسة الدعارة ضمن ضوابط وأصول ضيقة جداً، فبيوت الدعارة في لبنان المعروفة قانوناً تحت اسم بيوت البغاء تمارس نشاطها علناً وذلك من خلال إجراءات وضوابط طبّية وصحّية في إشراف المديريّة الصحّية في الأمن العام». لكن ما العمل إذا كانت الوكالات غير الشرعية ذات الاستراتيجيّات المدروسة قد أعلنت حربها لضرب الجمال وجَرفه نحو الدعارة وأساليبها؟
إنحطاط
باتَ لبنان يُصارع الإنحطاط الآخذ في الاتّساع بسبب الإمكانات التكنولوجيّة الحديثة والمُتاحة على الإنترنت، ويبدو أنّ ابتكار الأفكار الجديدة واستنباطها يخلق عالماً إفتراضياً لا يدخله إلّا مَن ينغمس في مضامين الموسوعة اللامتناهية من اللاأخلاقيات والانحرافات.
وقد أكّدت ناتالي فضل الله، صاحبة وكالة Nathaly’s Agency، لـ«الجمهورية» أنّ «الفوضى العارمة على المواقع الإلكترونية تؤثر في عمل الوكالات الشرعية بما أنّ غير الشرعيّة منها تختبئ وراء غطاء الأسماء الخاصّة بعرض الأزياء، فيتفشّى الفساد ليضرب سمعة وكالاتنا التي تحمّلت الآثار السلبية جرّاء أعمال الوكالات غير المرخّصة».
بدوره، أشار جورج كعدي، صاحب وكالة Giorgio’s Agency، إلى أنّ «الوكالات الشرعية اللبنانية لا تستمرّ إلّا إذا ما فُرِضَت رقابة حقيقية على الوكالات الوهمية التي نشهد تواترها على مواقع التواصل الإجتماعي كلّ دقيقة».
النقابة المفقودة
وتُطالب الوكالات الشرعية بنقابة تضمن لها حقوقها وتحرص على إظهار مخاطر أعمال الوكالات غير المرخّصة. وقد لمّح طربيه إلى أنّ «هاجس الدولة كان ولا يزال مُقترناً بإمكان الحدّ من النقابات وعدم الإكثار منها، وذلك لتخفيف وطأة النقابات على كاهل الدولة لِما تُشكِّله من وسائل ضغط لانتزاع الحقوق».
وتُعامل الوكالات الشرعية خارج الأراضي اللبنانية على أنها وكالات ترفع اسم الجمال اللبناني عالياً، على رغم أنّ الكثير من اللبنانيين يعتبرون أنّها ترعى الأعمال غير القانونية. وبالتالي، فإنشاء نقابة لهذه الوكالات يأتي ليضمن حقّها في الإدارة المتينة التي لا تسمح بهدر حقوق العارضات اللواتي لا يُقَدّرنَ في لبنان كما في الخارج.
وقد لفت كعدي إلى أنّ تشكيل النقابة المنتظرة يضمن أيضاً حقوق أصحاب الوكالات بما في ذلك اقتران عمليات تصوير العارضات بالوكالة التي تؤمّن لها جلسات التصوير، وضرورة توضيح الصورة أمام أصحاب الوكالات إذا ما قرر أحد المصوّرين أخذ عارضة ما على عاتقه في تأمين عمل إضافي لها. ينجرف الواقع اليوم وراء تلبية المصالح الشخصية، ما يُضعِف القوة الفعلية التي على الوكالات التسَلّح بها لمواجهة التحديات.
المستقبل المرتَقَب
لا يدعو ماضي وكالات عرض الأزياء اللبنانية ولا حاضرها إلى التفاؤل، وبالتالي فمستقبلها مجهول أمام قواعد لا تعرف الرُقيّ والأصول، بل تُتّبَع بهدف الشهرة والظهور الدعائي الإعلاني. ويبدو مستقبلها تائهاً وضائعاً في بحر من التردد والشكوك المتأتّية جرّاء ضغوط وتحديات كانت الوكالات تواجهها ولا تزال. المستقبل قريب وقد يكون أسوأ ممّا مضى وأخطر ممّا يمضي.
تتأرجح الوكالات الشرعية في لبنان اليوم بين التأقلم مع الواقع المرير الذي فرضَته الوكالات غير الشرعية، وبين إيجاد أساليب تطمئن اللبنانيين إلى مصير عرض الأزياء والموضة.
وإذ تناضل هذه الوكالات من أجل موقعها الفني الفريد طوال السنين الماضية، ها هي تستمرّ في خَلق المفاهيم والقيَم والإبداعات المتّصفة بتفعيل دورها على مستوى لبنان والعالم. وأعربَت فضل لله عن أهمية الوكالة اللبنانية، مشيرة الى أنّ محاور وكالتها سياحية بامتياز وهدفها من عرض الأزياء مرتبط بمساعٍ إنسانية على مستوى الوطن.
تدقيق
على الجانب الآخر، وفيما تُتقن الوكالات المتفشّية إلكترونياً عملها اللاشرعي المعهود من خلال تضليل الجهة المستهدفة على الأراضي اللبنانية أو خارجها، يجدر على السلطات اللبنانية المعنيّة التدقيق في مراقبة الأداء السطحي الظاهري الخاص بها والغَوص في أعماق هذه الآفة الإجتماعية المتكاثرة في لبنان.
غيّرت الثورة المعلوماتية المفاهيم وقلبت المعادلات، وما لبثت أن أصبحت سرعة انتشار هذا النوع من الوكالات تستقطب كلّ شابة تهوى فكرة عرض الأزياء، فتسعى إلى ردم الهوّة بين العالم الواقعي الذي تعيش فيه والعالم الإفتراضي الذي تنشره هذه الوكالات على صفحاتها الإلكترونية.
«الشابّات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 18 و22 سنة هنّ مَن يتعرّضنَ للضغوط التي تمارسها الوكالات غير الشرعية»، هذا ما أعرب عنه الجراح، مُضيفاً أنّ «معالجة الأسباب أعمق من معالجة النتائج، ومن الضرورة أن ينتشر الوعي داخل البيت والجامعة لئلّا تنحرف الشابّات
اللبنانيات ويضيع مستقبلهنّ».
إنّ المستقبل مفتوحٌ أمام الشبكة العنكبوتية ومساحاتها المتزايدة، ولكن لا بدّ من التخطيط والبرمجة والعمل، بهدف الحدّ من المخاطر التي تُطاول الشابّات عن طريق التقنيات الحديثة التي لا تبالي بالروادع القانونية أو الدينية، بل تجتذب كلّ مَن يكتنفه خلل عاطفي معيّن أو يتخلله واقع إقتصادي معيشي مرير.
واقع مستقبلي مُرتقب يفرض نفسه بشدة، إذ تتوجّه الإنتقادات الحالية على الإمكانيات غير الشرعية التي تُضعف الطاقات والسِمات التي عملت الوكالات الشرعية على التمسّك بمفاهيمها.
الخوف من الحاضر يُنذر بذعرٍ من المستقبل، وقد يبدو أنّ التراكمات الماضية التي عاشَتها الوكالات الشرعية تتجدّد عن طريق وسائل التواصل الإجتماعي التي يمكن من خلالها اجتياح العقول والنفوس، وذلك لغايات جنسية أو مالية، قد تقود هذا القطاع اللبناني الشرعي إلى زمنٍ يغلب فيه الضعف الحتمي.
ראשי
חדשות
ספורט
פוליטיקה
הורדות
פנאי+
חינוך
כתבו לנו