"موت الأعيان من تَعس الزّمان".
ثلاث سنوات مُذ رحل عنّا والدي وقرّة عيني،مؤدّبي ومعلمي،سيدي ومُلهمي الشيخ أبي صالح وهيب أحمد نصرالدين طيّبَ الله ثراه وذكراه.
لقد تركتَ يا أبي فيتّمت،وفارقتَ فأوجعت،ورحلتَ فآلمت.لقد أخذتَ معك من الحياة وهجَها،ومن الدنيا سعدَها،ومن الأيامِ نورَها،ومن النشوة لذّتها..يا صاحب النفس السخيّة والحسنات الظاهره والمخفية.يا مَن علّمنا عن السّلف الطاهر فأجاد،ودلّ على سلكهم الفاخر على نهج الرشاد،وعلّمنا من علمهم الزاخر وأرشد وبيّن وأفاد.يا عُمدة المجالس ويا شيخ المُحدثين والحافظين لأصول النصّ والدّين.لقد عبدتَ ربك يا أبي حتى أتاك اليقين،جاهدتَ وكابدتَ،تجلدتَ وصبرت،صليتَ واستغفرت،استشعرت وناجيت.فكشفتَ للإخوان المشكلات المعضلات،وبيّنت لهم المحللات والمحرمات،وسردتَ لهم عن السلف الحكايات الشيقات،فكان حديثُك وكأنه الدُّرّ يتناثر من فيك.كم ترنمنا بترتيلك المُتحف لآيات الله البينات،صوتك للحق مجهاراً،نبرات عذوبة ألفاظك كأنه التاريخ ينطق توحيداً وتراثاً وعقلانية.لقد كان يا صديقي نظرُك إلى الدنيا اعتبار،وسعيك اليها اضطرار،ورفضُك لها اختيار،وطلبك للآخرة ابتدار.صبرتَ يا أبيَ على آلامكَ براسخ إيمانك،فقابلتَ البلاء بالدعاء،ودفعتَ المصابَ بعزمٍ وصلابه،فتزودتَ أجراً وثبوتاً وثوابا.ترفّعتَ يا أبي بعلمك وحِلمك عن صغائر دُنياك لتنالَ رتبةً عليةً عند ربّك فطوبى لك في عُلاك.
"موتُ التقيّ حياة لا نفادَ لها
قد ماتَ قومُ وهم في الناس أحياءُ"
نضرع إلى المولى القدير أن نلقاك على بساط رحمته في واسع جنته،وألف رحمات ربّي تترى عليك ما غرّدت الأطيار وجنّ دُجى وشقّ نهار.
إبنك المُحبّ والمُشتاق أنيس.
َ