العلم هو الشعار الرمزي الذي يعبر عن كيان معين ويمثله في كافة المناسبات والأوساط بحيث يستطيع المرء من خلال نظرة صغيرة إلى العلم أن يعرف ماذا يمثل ومن يقصد والى أي هدف يصل.
والعلم يدل ويشير إلى كيان سياسي أو ديني أو اجتماعي أو إطار تنظيمي معين . ومع الوقت أصبحت للعلم أهمية كبيرة في المجتمعات بحيث إن أي تكريم للكيان وأي أهانه للعلم هي أهانه للكيان نفسه . وفي تاريخ الشعوب والأمم حوادث كثيرة ووقائع متعلقة بالعلم وبطريقة النظر إليه والتعامل معه . وللعلم دور كبير في حياة الإنسان الاجتماعية والسياسية فهو الشعار الذي يتضامن معه ويحترمه ويجله وهو الغاية التي يضحي من اجلها وهو الرمز الذي يمثله بين المجتمعات الأخرى.
العلم الدرزي المكون من الألوان الخمسة يمثل في حياة الفرد الدرزي بالإضافة إلى الغايات العادية المرجوة من العلم العادي , أصولا ُ وأهدافا ًبعيدة المدى لها جذور عميقة في تاريخه وتوحيده وأعماقه . فهو بالنسبة لهم رمز ديني تاريخي ولا يعتبر رمزا ً قوميا ً سياسيا ً لان الإطار الدرزي هو إطار ديني وليس سياسي إذ لا يطمح ألدروز بأي شكل من الإشكال من منطلق انتمائهم القومية واعتقاداتهم الدينية إلى إقامة دوله أو كيان منفرد يكون العلم رمزا ً له , لذلك يظل العلم الموجود رمزا ً دينيا أ قبليا ً فقط .
لقد عاش الدروز منذ تأسيس الدعوة في لبنان وشمال فلسطين وسوريا في مناطق جبلية نائية وفي إطار قبلي طائفي في نطاق هوية دينية واضحة . وكان تاريخهم حافلا ً بالصراعات والحروب والمناوشات والنزاعات حول السيادة والأرض والنفوذ , شأنهم شأن كل المجتمعات في العالم.
وبما انه توجد صبغة خاصة لهذا التجمع الذي ضمهم في نطاق وحدة مذهبية مميزة لذلك كانت عوامل التحدي والخلاف بينهم وبين الأطر الأخرى سببا ً في تجميع قواهم وتوحيد مقدراتهم ومجابهة العناصر الأخرى ومحاربتها من اجل الاستمرار والبقاء , لذلك كان العلم مطلوبا ً وضروريا ً كي يوحد الصفوف ويرفع من المعنويات ويظهر التواجد والقوه والصمود والعزم والتصميم . ومع الوقت تعلم المحاربون أن يروا في العلم رمزا ً للنصر وإشارة للتفاؤل وألا مل وضمانا ً للفوز والغلبة لذلك استماتوا من اجله وضحوا بأنفسهم كي يظل العلم مرفوعا ً شامخا ً فتبقى عزيمتهم صامدة عالية.
أن العلم الدرزي المكون من الألوان الخمسة يستعمل هو عند الدروز في استراليا والولايات المتحدة ولينان والشرق وكل مكان لذلك فهو شعار متفق عليه ومقدس ومحبذ , هو وما يشير إليه عند كل من يرى فيه رمزا ً له وهم الأغلبية الساحقة من الدروز . أن وجود عنصر موحد وثابت بين كل هذه الأماكن المتباعدة يدل أن راية التوحيد عريقة ومتأصلة عند جميع أبنائها في كل مكان يتواجدون فيه .
وفي جبل الدروز كان للعلم أهمية كبيرة حيث أن كل قرية أوجدت لها علما ً يميزها عن القرى الأخرى . وفي الاحتفالات المشتركة أو عند الاستنفار الشعبي لحرب أو لدفاع ضد هجوم خارجي كان شباب كل قرية ينضوون تحت العلم وينظمون أنفسهم بشكل يثبت وجودهم بفخر واعتزاز ويتجمع عشرات ألاف الشباب المحاربين في نطاق التجمع تحت لواء علمهم معبرين للقائد الأكبر عن استعدادهم للتضحية والقتال والدفاع حتى الموت . وكان هذا المنظر يدب الحماس والنخوة في نفوس جميع الموجودين ويقوي من عزمهم ويشجعهم على المضي قدما ً في تحقيق الغاية التي حضروا من اجلها.
لقد كان الشاب المحارب الذي يحمل العلم ينتخب من قبل المسئولين فيكون شابا ً ناضجا ً قويا ً باسلا ً يعرف حجم المسؤولية ألمنوّطه به ويقدر أهمية أن يظل العلم شامخا ً يرفرف فوق رؤوس المقاتلين ويكسبهم الشجاعة والمناعة والصمود . وكان المحاربون عندما يرون العلم مرفوعا ً حتى في أصعب الظروف يتشجعون ويستبسلون في القتال حتى يحققون النصر , لذلك كان دائما ً حامل العلم هدفا ً لرصاص واسهم الأعداء ويحاولون في البداية أن يقضون عليه لكي يسقط العلم من بين يديه فتحدث البلبلة ويبدأ الانهيار . لمن القادة والزعماء كانوا يقظين لهذه الأمور ويعرفون كيف يعالجونها فان سقط حامل العلم لم يدعه من بجانبه يسقط فيرفعه حالا ً ويظل بهذه ألطريقه مرفوعا ً . في تاريخ الدروز وتاريخ جبل الدروز تظل قصة الإخوة الخمسة من عائلة غزاله الذين سقطوا شهداء الواحد تلو الأخر ولم يسمحوا للعلم بالسقوط وكان النصر حليف جيشهم في النهاية. وفي تاريخ الطائفة الدرزية حوادث كثيرة مماثلو ووقائع يفتخر بها الجميع.
هذا في المعارك والحروب أما في الحياة اليومية فقد قام العلم بنفس الدور حيث كان مبعثاً للعزة والكرامة والفخر . فعند قدوم وفد لاجتماع عام في زيارة دينية أو في مناسبة احتفالية يحضر سكان القرية في وفد مهيب يتقدمهم زعيمهم وعلم مرفوع فوق رؤوسهم وهم ينشدون الأغاني والأهازيج الشعبية والحماسية معبرين عن وحدتهم واستعدادهم للتضحية ولعمل أي شيء يطلب منهم بشكل جماعي . كثيرين من الأجانب الذين ساحوا في بلاد المشرق في القرنين الماضيين انتبهوا إلى هذه الظاهرة وأعجبوا بها وسجلوها على أنها عنصر هام في توحيد الصفوف وتحقيق النصر وبلوغ الغاية.
العلم الدرزي مكون من خمسة ألوان هي حسب الترتيب الأخضر الأحمر الأصفر الأزرق والأبيض. لهذه الألوان دلالة توحيدية مذهبية عميقة الجذور وهي تعبر عن افتراضات فلسفية وعن أبعاد طقوسيّة ودلائل رمزية ذات أهمية كبيرة , لكنها ترمز في نفس الوقت إلى الفضائل التوحيدية والمزايا والخصال الحسنة التي يجب أن يتحلى بها الموحد وغير الموحد من الناس كي يكون مسلكه صحيحا ً وطريقة سويا ً وسبيله واضحا ً في عالم المعرفة والمثل العليا . وإذ أردنا أن نخصص أو أن نفصل تفسير الألوان كل على حده لتحديد مغزى كل لون يمكننا , حسب رأيي أن نفصل معاني كل لون حسب الترتيب التالي :
* اللون الأخضر يمثل الأرض والبعث والازدهار والعطاء والتجدد والعمق والأمل والنمو والخير.
* الأحمر يمثل القوة والثقة بالنفس واستمرار الحياة والخلود والعظمة و الريادة والمبادرة والعنفوان.
* الأصفر يمثل الشمس والحرارة والطاقة والنور والمحاصيل والذهب والعظمة والكنوز.
* الأزرق يمثل السماء الغير متناهية والشمولية والمحيطات العميقة وأسرار الوجود وخفايا الخليقة والماء ونبض الحياة.
* الأبيض يمثل الطهارة والعفوية والأولوية والحداثة والنوايا الحسنة والطفلة البريئة والإيمان العميق.
هذه الرموز وهذه الألوان تمثل بمجموعها الفضائل العامة الجامعة للطائفة الدرزية كأفراد وكمجموعة . وللعلم كعلم لا يوجد استعمال دائم في الحياة اليومية عند الدروز لأنه لا توجد احتفالات واستعمالات يومية لكن العلم كرمز له استعمالات كثيرة في الحياة اليومية فهو موجود في النقوش وفي الرسائل وفي واجهات البيوت وفي السيارات وفي الصدور وفي كي مكان بأشكال مختلفة تدل ان حامل الشعار يفتخر ويعتز ويتباهى به.
لقد استعمل العلم في الإمارات الدرزية الأولى وفي المهاجر وفي الدول التي يعيش فيها دروز ففي كل دولة يرفعون العلم الدرزي وعليه شعار أو علم الدولة التي يعيشون بها أو بالعكس . حيث أن الدرزي عادة مخلص للإطار السياسي الذي يعيش فيه . وهناك من اعتقد أن العلم الدرزي هو بدعة فرنسية أوجدها الانتداب الفرنسي في جبل الدروز عام 1920 عندما قسّمت سوريا إلى خمس دويلات صغيرة أقام بينها دويلة جبل الدروز فاستعمل العلم لهذا الغرض. والصحيح أن العلم كان موجودا ً قبل ذلك واستعمل في مناسبات حربية وسلمية واحتفالية مختلفة في كل مناطق التواجد الدرزي في الشرق. واستعمال الفرنسيين في زمن الانتداب لا يؤثر على أهمية العلم كرمز تراثي توحيدي عريق وكما قلنا فان الدروز لا يطمحون بإقامة كيان سياسي لهم لذلك يظل العلم بالنسبة إليهم شعارا ً معنويا ً عميق الجذور .